د. رامى عطا صديق
يتوجه قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، يصاحبه وفد من آباء الكنيسة، إلى مدينة روما، حيث يزور قداسة البابا فرانسيس الأول بابا الفاتيكان، وهى زيارة تستمر خلال الفترة من 10 إلى 14 مايو.
حقيقة الأمر أن هذه الزيارة ليست هى المرة الأولى التى يزور فيها بابا الكنيسة القبطية كنيسة روما، فقد زارها قداسة البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث فى 10 مايو 1973م، وكانت أول مرة فى التاريخ الحديث والمعاصر التى يزور فيها البابا القبطى بابا الفاتيكان، وكان وقتها قداسة البابا بولس السادس، كما زارها قداسة البابا تواضروس الثانى فى 10 مايو 2013م، بعد أقل من سنة على تجليس قداسته على كرسى القديس مرقس الرسول، بابا وبطريرك للكنيسة القبطية الأرثوذكسية. ومن هنا كان اختيار اليوم العاشر من شهر مايو من كل عام، يومًا للصداقة والمحبة الأخوية بين الكنيستين القبطية والكاثوليكية، حيث تُعقد صلاة فى هذا اليوم، هنا وهناك، لتأكيد معانى المحبة والصداقة والإخوة بين أبناء الكنيستين. ومن جانبه زار البابا يوحنا بولس الثانى مصر عام 2000م كما زارها البابا فرانسيس الأول فى 28 أبريل 2017م، وهى زيارة استغرقت يومين زار خلالها الرئيس السيسى وفضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وقداسة البابا تواضروس الثانى. وتُعد الزيارة المرتقبة هى الزيارة الثانية للبابا تواضروس (2013م، 2023م)، وهى تأتى بعد خمسين سنة من زيارة البابا شنودة (1973-2023م)، وبعد عشر سنوات من زيارته الأولى، ومن المقرر أن يلقى قداسة البابا تواضروس الثانى كلمة فى ساحة القديس بطرس بجوار البابا فرانسيس، لمدة نحو خمس دقائق، ويلتقى الوفدان فى جلسات حوارية، كما يزور البابا تواضروس الإيبارشيات القبطية فى روما، ليتفقد أحوال المواطنين الأقباط المُهاجرين إلى إيطاليا، ويصلى القداس الإلهى فى إحدى الكنائس التى وفرتها الكنيسة الكاثوليكية للوفد القبطى. وفى تقديرى فإن هذه الزيارات المُتبادلة إنما تحمل فى جوهرها مجموعة من الدلالات والرسائل المُهمة، التى يمكن الإشارة إلى بعضها فى النقاط التالية:
أولًا: الرغبة الحقيقية والصادقة فى عقد وتفعيل الحوار المسكوني، ويعنى الحوار بين المسيحيين من مختلف المذاهب على مستوى العالم حول بعض الأمور التى تختص بالعقيدة والمواقف الدينية وتفسيرات الكتاب المقدس، ومن جانب آخر استمرار اللقاء والمناقشة والحوار حول القضايا والموضوعات التى تخدم الإنسان، ومن ثم التلاقى حول أهمية البحث فى سبل العيش المشترك والتعايش السلمى، وليس الغرض بطبيعة الحال ذوبان أى كيان أمام كيان آخر، وإنما الانفتاح دون انحلال، والتواصل مع حفظ الهوية، ما يعنى الحوار وتبادل الرؤى والأفكار وزيادة المشتركات والتوجه نحو بناء الإنسان وتنمية الوطن/ الأوطان، والمجتمع الإنسانى المشترك.
ثانيًا:الحاجة الشديدة إلى الاهتمام بفهم واستيعاب حقيقة الدين/ الأديان/ المذاهب، التى تتفق جميعها فى أهمية نبذ خطابات الكراهية والعنف التى تظهر أحيانًا بين أتباع الأديان، بل وبين أتباع المذاهب داخل الدين الواحد، فضلًا عن ممارسات النقد والتشكيك والسخرية والتجريح والهجوم على معتقدات الآخر وطقوسه، ما يظهر بوضوح فى بعض منشورات وسائل الإعلام وفى غيرها من شبكات التواصل الاجتماعي، ما يهدد السلام النفسى والاستقرار المجتمعي.
ثالثًا: إن الاختلاف فى الرأى والتوجهات الفكرية والمعتقدات الدينية والعقدية، ليس مدعاة لأن يتحول هذا الاختلاف إلى خلاف أو صراع وصدام بين البشر الذين هم صنعة الله سبحانه وتعالى، ما يؤكد حقيقة التعددية والتنوع باعتبارها سمة أساسية من سمات الحياة، ونتيجة منطقية للاختلاف كأمر طبيعي، وقد تكون تعددية سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو دينية، ومن علامات التحضر إدارتها على أساس مشروعيتها كلها، طالما لا يمارس أى من هذه المكونات التعدى على مشروعية غيره، وطالما أن الاختلاف لا يتحول إلى مشكلة وخلاف.
رابعًا: تؤكد هذه الزيارة، وغيرها من الزيارات المتبادلة، وطنية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ومكانتها، وهى فى الحقيقة جزء من شخصية مصر ومكانتها، فالكنيسة القبطية وحسب جُل المؤرخين كانت رمزًا لاستقلال الشخصية المصرية فى مقابل غياب الاستقلال السياسى الذى كان فى أيدى الرومان، خلال القرون الميلادية الأولى، وعبر التاريخ فإن الكنيسة القبطية عُدت- ومازالت- من بين مظاهر القوى الناعمة التى تتميز بها مصر، ووجودها الخارجى فى مختلف الدول والقارات بمثابة عمل دبلوماسى شعبى له دوره وتقديره، فهى سفارة شعبية لمصر بتعبير قداسة البابا تواضروس الثانى.
نقلا عن الاهرام