مراد وهبة
يقال إن إشكالية العالم الإسلامى تكمن فى مدى قدرته على التكيف مع مسار الحداثة التى أطلقتها الحضارة الغربية. وتتراوح الإشكالية بين تناقضين: إما المحاكاة العمياء أو العداوة. وفى هذا السياق، يقال إن أفكار السير محمد إقبال هى بمثابة مرآة عاكسة لهذه الإشكالية؛ إذ ارتأى أن نهاية الخلافة الإسلامية مع حدوث شرخ بين المسلمين والهنود قد أقنعته بأن مستقبل المسلمين فى الهند لا يكمن فى توحيد الهند، إنما يكمن فى إقامة دولة إسلامية مستقلة تضم البنجاب والسند وبالوشستان؛ إلا أنه واجه معارضة حادة من القوميين المسلمين والهنود. ومع ذلك فإنه كان متعاطفًا مع حركة الإصلاح الدينى فى أوروبا، لكن هذا التعاطف كان مشوبًا بشىء من الحذر، باعتبار أن مسار العالم الإسلامى يخلو من أى دعوة علمانية. وهو الأمر الذى جاء مناقضًا لمسار العالم المسيحى الذى كان قد تأثر بالقانون الرومانى العلمانى قبل مواجهة علمانية الإصلاح الدينى. ومن هنا كان إقبال على حذر من التأثر بالمفكرين الهنود الذين تأثروا بالليبرالية الغربية دون مراعاة للتراث الروحانى الهندى؛ إذ إنه من شأن هذا التأثر أن يكون قوة دافعة لتفكيك الهند. ومن هنا يمكن القول إن التفرقة الحادة كانت درءًا لقول إن إقبال من المُعادين للحداثة. ومع ذلك فإن هذا القول لن يكون صائبًا، إذ فى رأيه أن تحديث الشريعة ممكن من غير اقتلاع جذورها الروحانية السلفية.
والمفارقة هنا أن هذه الإشكاليات ورؤى إقبال فى إزالتها قد انتهت به إلى القول إن ليس لديه فلسفة يقدمها لتلاميذه، ومع ذلك فإنه يعلن تأثره بفلاسفة غربيين، ويأتى الفيلسوف الألمانى هيجل فى الصدارة.. لماذا؟
جواب إقبال أن سبب ذلك مردود أولًا إلى قانون التناقض لدى هيجل الذى ينص على أنه لا مشروعية لفكر إلا إذا كان أساسه وجود تناقضات وصراعات ومعارضات، وتكون مهمة التفلسف إزالتها مع رفعها إلى تناقض أعلى بلا توقف. ثم هو مردود ثانيًا إلى أتباع هيجل، وفى الصدارة فيلسوفان ألمانيان، هما شوبنهور ونيتشه، اللذان تأثرا بفكرة المطلق عند هيجل مع إحداث تعديل لهذا المطلق، فبدلًا من أن يكون مرادفًا للعقل أصبح مرادفًا للإرادة؛ إلا أن مفهوم الإرادة ليس واحدًا لدى هذين الفيلسوفين؛ فالإرادة عند شوبنهور عمياء، ولهذا فهى ضد العقل، وبالتالى يكون الوجود شرًا ويكون الهروب منه أمرًا ضروريًا، ومن هنا تكون ضرورة الزهد. أما الإرادة عند نيتشه فهى ليست عمياء، كما أنها ليست شرًا، ثم إنها ليست إرادة كونية، بل إرادة تخص الفرد وحده. وهو ما يؤيده إقبال. ولا أدل على ذلك من جوابه عندما تساءل: ما المادة؟ إنها جملة أنوات فى الحد الأدنى ومنها تتوالد أنوات فى الحد الأعلى وهى الخاصة بالإنسان الفرد. ومع ذلك فإن إقبال يتجاوز هذين الفيلسوفين إلى فيلسوف ثالث فرنسى اسمه برجسون بسبب نزعته الصوفية التى تجعل من الله كائنًا باطنيًا للإنسان.
وفى نهاية المطاف، يبقى السؤال: مَنْ هو إقبال فى مواجهة الغرب؟
إنه غربى ولكن بمزاج روحانى، وهو الأمر الذى يدفعه إلى أن يكون انتقائيًا فى تفكيره أكثر من أن يكون مهمومًا بمدى مشروعية هذه الانتقائية.
نقلا عن المصرى اليوم