محرر الأقباط متحدون
شهد برنامج زيارة قداسة البابا تواضروس الثاني اليوم نشاطًا مكثفًا، حيث جاء لقاء قداسته، مع قداسة البابا فرنسيس، في مستهل اليوم، وهو اللقاء عقداه منفردين في المكتب البابوي في القصر الرسولي بالڤاتيكان.
تلاه صلاة مسكونية حضرها وفدا الكنيستين القبطية الأرثوذكسية والكاثوليكية حيث تبادل المشاركون فيها تلاوة بعض الصلوات.
ثم ألقى قداسة البابا تواضروس كلمة، أعرب خلالها عن سعادته بزيارة الڤاتيكان، قائلًا: "فرحي اليوم كبير بالتواجد بينكم وأصافحكم بقلبي لا بيدي فقط" وأضاف: "أنا ممتن لأني متواجد على هذه الأرض، التي كرز فيها الرسل، ويسكنها مرقس الرسول كاروز ديارنا المصرية، ومنها خرج الكثيرون في طريق طويل للكرازة باسم ربنا يسوع للعالم كله فاديًا ومخلصًا"
وأكد مخاطبًا بابا الڤاتيكان: "أنا على العهد أذكركم في صلاتي الخاصة يوميًّا كما تعاهدنا منذ زيارتي السابقة هنا" مضيفًا: "أصلي معكم من أجل كنيسة الله على الأرض أن يثبتها إلى دهر الدهور، لترفع على الدوام التسبيح السماوي"
وعن المحبة التي صارت شعارًا للعلاقات بين الكنيستين قال قداسته: "المحبة هي الأساس الدائم والطريق الرئيسي للكمال، والطريق الوحيد لله، لأن الله محبه، وكل من يعرفه يمشي خطوات المحبة معه وإليه"، وشدد: "مسؤوليتنا أن نصير مثله (أي الله) ونقدم المحبة غير المشروطة لبعضنا وللعالم كله"
ولفت: "إحدى علامات طريق المحبة لكل إنسان إصداركم الدستور الجديد "إعلان الإنجيل"، الذي أهنئكم عليه لأنه يشهد على الاهتمام بكل نواحي الإنسان"
وفيما يتعلق بالحوار اللاهوتي بين الكنيستين القبطية الأرثوذكسية والكاثوليكية، قال قداسة البابا: "بجلسات الحوار بين الكنيستين القبطية الأرثوذكسية والكاثوليكية نسير في طريق المحبة، "نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ" (عبرانيين ١٢: ٢) "، وألمح: "فى ١٠ مايو ١٩٧٣، وقَّع رئيسا كنيستينا بيانًا مشتركًا فيه تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة، مهمتها توجيه دراسات مشتركة في عدة ميادين، حتى نستطيع أن نعلن معًا رسائل الإنجيل التي تتطابق مع رسالة الرب الأصيلة ومع احتياجات عالم اليوم وآماله" وثَمَّنَ استمرار الحوار قائلًا: "نشكر الله على استمرار الحوار اللاهوتي للجنة الدولية المشتركة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية الشرقية (Oriental) والتي شَرُفنا باستقبال آخر اجتماعاتها في مركز لوجوس بالمقر البابوي بمصر، والتي نحتفل العام القادم بالاجتماع العشرين لها" ، وأكد: "الحوار طريق طويل لكنه آمن، تحميه ضفتان من المحبة، ضفة محبة المسيح لنا وضفة محبتنا لبعضنا، لذلك مهما واجهنا من تحديات فإن المحبة تحمينا، لنكمل مسيرتنا ونستمر من أجل الفهم المتبادل"
وتحدث قداسته عن ارتباط كل من الكنيستين بالقديسين، فقال: "إن القديسين أحد الدعائم الأساسية لكنيستينا، بدأت بالرسل بطرس وبولس ومرقس، والآن نكتب في كتاب سنكسار الكنيسة شهداءً جددًا، حفظوا الإيمان وتمسكوا بالشهادة للمسيح"
كاشفًا عن الهدية التي أتى بها قداسته ليقدمها لبابا الڤاتيكان: "الـ ٢١ شهيد في ليبيا، إذ اعترفنا بقداستهم في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، نقدم اليوم جزءًا من متعلقاتهم المغمورة بدمهم المسفوك على اسم المسيح للكنيسة، لكي تُذكَر في سنكسار كل الكنائس في العالم ونعلم أن "لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا" (عب ١٢: ١) "
لافتًا إلى أنهم: "صاروا قدوةً ومثالًا معاصرًا للعالم كله، يشهد بأن مسيحيتنا ليست مسيحية تاريخية فى الماضي، لكنها أمس واليوم وإلى الأبد."
وعقب انتهاء الكلمة، ألقى قداسة البابا فرنسيس كلمته التي استهلها بالآية
"هذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَنَعُهُ الرَّبُّ، نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيهِ" (مز ١١٨: ٢٤) مشيرًا إلى أن هذا المدح الفصحي، استقبل القديس البابا بولس السادس، قبل خمسين سنة، سلفكم الموقر البابا شنودة الثالث، في بازيليكا القديس بطرس. وبنفس المديح أرحب بك اليوم، ووجه الشكر لقداسة البابا تواضروس واصفًا إياه بـ "الأخ الحبيب والصديق العزيز" : "أشكرك من كل قلبي لقبولك دعوتي لنحتفل معَا باليوبيل لهذا الحدث التاريخي في سنة ۱۹۷۳، وكذلك الذكرى العاشرة للقائنا الأول في سنة ٢٠١٣"
مثمنًّا اللقاء التاريخي الذي عقد عام ١٩٧٣ واصفًا إياه بأنه: "بمثابة مرحلة تاريخية في العلاقات بين كرسي القديس بطرس وكرسي القديس مرقس. وكان ذلك أوّل لقاء بين بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وأسقف روما. كما أنه يمثل نهاية الجدل اللاهوتي الذي يعود إلى مجمع خلقيدونية، وذلك بفضل التوقيع، في ١٠ أيار / مايو ۱۹۷۳ ، على إعلان كريستولوجي مشترك لا يُنسى. وكان فيما بعد مصدر إلهام لاتفاقيات مماثلة مع الكنائس الأرثوذكسية الشرقية الأخرى.
وعن العمل المسكوني قال بابا الڤاتيكان: "في المسيرة المسكونية، من المهم دائمًا أن ننظر إلى الأمام، فنسأل أنفسنا باستمرار: ما هي المسافة المتبقية أمامنا بعد ؟ ومع ذلك، من الضروري أيضًا أن تتذكر خاصة في لحظات الإحباط، لكي نبتهج ونفرح في المسافة التي قطعناها حتى الآن ونستفيد من حماسة الرواد الذين سبقونا"
وعن الوحدة المسيحية، أشار قداسة البابا فرنسيس إلى "المبادئ الرائدة لتوجيه البحث في الوحدة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والتي قبلها القديس البابا يوحنا بولس الثاني والبابا شنودة الثالث" وأضاف: "وفيها تم التأكيد بكلمات نبوية على أن الوحدة التي نتخيلها لا تعني استيعاب الواحد للآخر أو سيطرة الواحد على الآخر. بل إنها خدمة كل واحد منا لمساعدته على عيش عطاياه الخاصة التي منحه إياها روح الله".
وثَمَّنَ قداسته دور الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الحوار اللاهوتي، وقال: "ثم فتحت هذه اللجنة المشتركة الطريق لولادة حوار لاهوتي مثمر بين الكنيسة الكاثوليكية وعائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية كلها، التي عقدت أوّل اجتماع لها في سنة ٢٠٠٤ في القاهرة، واستضافها قداسة البابا شنودة. أشكر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على التزامها بهذا الحوار اللاهوتي"
ووجه كلامه إلى قداسة البابا تواضروس: "أشكر قداستك أيضا على اهتمامك الأخوي الذي ما زلت توليه للكنيسة القبطية الكاثوليكية، وهي المودة نفسها التي أدت إلى إنشاء المجلس الوطني للكنائس المسيحية في مصر"
وعن الاحتفال بمرور خمسين سنة على عودة العلاقات بين الكنيستن وعشر سنوات على أول لقاء بينهما، قال: "وهي أيضًا ذكرى لقاء سنة ۱۹۷۳ ، التي حملتكم على المجيء للقائي صاحب القداسة هنا للمرة الأولى في ۱۰ أيار /مايو ۲۰۱۳، بعد أشهر قليلة من تنصيبكم وبعد أسابيع من بداية حبريتي. في تلك المناسبة، اقترحتم أن نحتفل في العاشر من شهر أيار /مايو من كل سنة بـ "يوم الصداقة بين الأقباط والكاثوليك"، الذي تحتفل به كنائسنا في موعده منذ ذلك الحين.
وأضاف: "عندما تتكلم عن الصداقة، يتبادر إلى ذهني الأيقونة القبطية الشهيرة التي تعود إلى القرن الثامن والتي تصوّر الرب يسوع وهو يضع يده على كتف صديقه الراهب القديس مينا من مصر. تسمى هذه الأيقونة أحيانًا أيقونة الصداقة" لأن الرب يسوع يبدو فيها أنه يريد أن يرافق صديقه ويسير معه. وبالمثل فإن روابط الصداقة بين كنائسنا متجذرة في صداقة يسوع المسيح نفسه مع تلاميذه كلهم الذين يدعوهم هو نفسه أصدقاء".
وعن هدية قداسة البابا تواضروس لقداسته، قال بابا الڤاتيكان: "لا أجد كلمات أعبر بها عن شكري العميق للعطية الثمينة لذخيرة الشهداء الأقباط الذين قتلوا في ليبيا في ۱٥ شباط / فبراير ٢٠١٥. هؤلاء الشهداء عمدوا ليس فقط بالماء والزوح، بل بالدم أيضا، الدم الذي هو بذرة الوحدة لأتباع المسيح كلهم. يسعدني أن أعلن اليوم، وبموافقة قداستك، أنه سيتم إدراج هؤلاء الشهداء الواحد والعشرين في السنكسار الروماني علامة على الشركة الروحية التي توحد كنيستينا".
كما أهدى قداسة البابا فرنسيس، في ختام اللقاء لقداسة البابا تواضروس جزءًا من رفات القديسة كاترين شهيدة الإسكندرية.
وعقب انتهاء لقائه ببابا الڤاتيكان، عقد قداسة البابا تواضروس لقاءًا مع أعضاء مكتب تعزيز الوحدة المسيحية بالڤاتيكان، وكانت له كلمة مختصرة معهم أكد خلالها على أهمية دور المكتب في دعم الوحدة بين الكنائس، مشيرًا إلى أن المحبة تجعلنا نرى الآخرين كما يراهم الله، وتجعلنا نتعاون معهم بإخلاص وصدق. وأعاد التأكيد على أن عمل مكتب تعزيز الوحدة المسيحية ضروري لجهودنا لتعزيز الوحدة بين التقاليد المسيحية المختلفة، وأضاف: "اتحاد المحبة هو سبيلنا إلى اتحاد الايمان. من جانب، تعميق فهمنا لتقاليد بعضنا البعض. وهذا يعني دراسة التاريخ واللاهوت والروحانية لكنائسنا"
واختتم: "علينا العمل معًا لمواجهة التحديات التي تواجه عالمنا اليوم، بما في ذلك الفقر والظلم والصراعات. وهذا يعني الاعتراف بأن لدينا مسؤولية مشتركة لتعزيز الصالح العام".
ثم كان لقداسته لقاءً مع ممثلي الصحف والقنوات التليفزيونية الإيطالية، أجاب خلاله على أسئلتهم التي تناولت عدة محاور.
وفي المساء زار قداسة البابا والوفد المرافق لقداسته، دير راهبات "الثلاثة ينابيع" بالڤاتيكان، كما زار دير "أخوات يسوع الصغيرات" المجاور له.
وألقى قداسته كلمة في الدير الأول، تناول خلالها آيتين عن المحبة قالهما القديس بولس الرسول، هما: "مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا" (كورنثوس الثانية ٥: ١٤) و "اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا" (كورنثوس الأولى ١٣: ٨)
وفي دير "أخوات يسوع الصغيرات"، زار قداسة البابا كنيسة الدير وتفقد عمل الراهبات، من أعمال فخارية وأعمال يدوية وأبدى إعجابه وسعادته بخدمة راهبات الدير وفي نهاية الزيارة ودعت الراهبات بترتيل مجموعة من ترانيم الفرح.