د. أحمد الخميسي
في مارس هذا العام 2023 أقر مجمع اللغة العربية في القاهرة صحة العديد من الكلمات التي تجري في حياتنا اليومية، من ذلك كلمة " فيسبوكي'> فيسبوكي" المشتقة من " فيس بوك" إشارة إلى الشخص المنتسب للموقع، وجمعها على " فسابكة"، وكلمات أخرى مثل " تأبيدة " بمعنى الحكم بالسجن مدى الحياة، ونحو خمسين كلمة أخرى كانت تعد من العامية المصرية. وقبل ذلك بشهر - في فبراير - أقر كلمة تثاقف بمعنى تبادل الثقافات. جدير بالذكر أن مجمع اللغة تأسس في ديسمبر عام 1932 عهد الملك فؤاد الأول، وبدأ عمله عام 934، باسم " مجمع فؤاد الأول للغة العربية" ونص مرسوم انشائه على أن يكون نصف أعضائه من المصريين والنصف الآخر من العرب والمستشرقين، بهدف الحفاظ على اللغة العربية وإعداد المعاجم، وكان طه حسين رئيسا له من سنة 1963 حتى 1973. ولقد أثار إقرار الكلمات الجديدة السؤال عما إن كانت المعاجم الجديدة بحد ذاتها كفيلة بحل مشكلة المسافة بين العامية واللغة الفصيحة. وهنا تجدر ملاحظة أن النقاش داخل المجمع لإقرار كلمات جديدة - كما يتضح من صفحة المجمع – يسترشد أساسا بالتساؤل عما إن كان للكلمة أصل في اللغة الفصيحة أم لا، وما إن كانت قد وردت في معاجم سابقة أم لم ترد.
ومعنى ذلك أننا لا ننظر إلى الحياة لكن إلى الكتب والقواميس التي تشكلت لغتها في مجرى حياة سابقة، وبداهة فإن كلمة مثل تلفزيون و" تلفزة" لم ترد في مختار الصحاح وفي لسان العرب، ولا وردت كلمة مثل " فيديو" وغيرها مما أسفرت عنه حياتنا المعاصرة المختلفة. وعندما نحاول الحفاظ على لغتنا – وهذا ضروري للغاية – فإن علينا أن نقوم بإنعاشها واغنائها بمفردات الحياة الجديدة، كما أن علينا أن نعترف بتلك المفردات وندخلها إلى معاجم اللغة ليصبح استخدامها سليما. من ناحية أخرى فإن مجمع اللغة العربية مشكورا يحاول ملاحقة التطور العلمي والثقافي، لكن المجمع بمفرده لن يتمكن من الحفاظ على اللغة، لأن اللغة قضية أعم، التعليم فيها هو الجبهة الأولى والثانية والثالثة، فإذا أردنا أن نصون لغتنا وجب علينا أن نعيد النظر في مناهج تدريس اللغة في المدارس، خاصة ما يتعلق بالجانب الأدبي، حيث يدرس التلاميذ قصائد من نوع قصيدة النابغة الذبياني: " أتاني أبيت اللعن أنك لمتني.. وتلك التي أهتم منها وأنصب"، فيظل التلميذ يلعن الذبياني والتعليم واللغة ما بقى له من عمر، بينما ينبغى لنا أن نبدأ التعليم بقصائد حديثة سهلة تعقبها قصائد الشعر العربي القديم.
أيضا مطلوب أن نعيد النظر في قواعد النحو العربي الذي جعل اللغة العربية رابع أصعب لغة في العالم بعد الصينية والكورية واليابانية، وعلى سبيل المثال فإننا مازلنا نستخدم صيغة المثنى، بينما مرت معظم اللغات بتلك الصيغة ثم شطبت عليها في تطورها مثلما فعلت اللغة الروسية وغيرها، ولا بأس بالمرة من تشكيل لجنة لمراجعة اللغة الحكومية الخاصة بلافتات الشوارع قبل إجازتها لأن تلك اللافتات أمست قلعة شامخة لأخطاء اللغة العربية. وإلى جانب تعديل مناهج التعليم تتبقى مشكلة وسائل الاعلام والأدب، وقد كتب في ذلك العميد طه حسين قائلا : " إحسان العربية يفرض على الكاتب الشاب والشيخ ألا يُذكّر المؤنث ولا يؤنث المذكر.. فإن فعل غير ذلك فليس من الأدب في شيء.. وإني ليحزنني أن أقول إن كثيرا من كتّابنا ومن كتاب يرون أنفسهم كبارا يتورطون من هذا كله في شر عظيم، ولو شئت لضربت لذلك أمثالا يخجل لها أصحابها من الشيوخ والشباب جميعا ".
***
د. أحمد الخميسي . قاص وكاتب صحفي مصري