عادل نعمان
ونؤكد لفضيلته (استكمالا للمقال السابق) أن الحدود أربعة لاغير، وهى تحديدا حد الزنا «الجلد مائة جلدة» وحد السرقة «قطع اليد» وحد الحرابة «القتل أو الصلب أوقطع الأيدى والأرجل من خلاف أو النفى» وحد رمى المحصنات «الجلد ثمانين جلدة» ويرى الكثيرون استحالة تطبيق أحدها لعدة أسباب منها: «الشروط الشرعية المقيدة للتطبيق والتى يفلت منها الجانى حين يصيبه شرط واحد من هذه الشروط، وهو أمر سهل وميسر.
ويطمئن الجانى أن شرطا أو أكثر سوف يدركه لامحالة حين ينكر الواقعة، فيفلت من العقوبة»، والسبب الآخر: «قسوة وعنف العقوبة وما يصاحبها من تجريس وتشهير فتصيب من الأهل عارا ومذلة وخزيا يلاحقهم ويفضح سترهم، وهم ليسوا بجناة أو مشاركين، إلا أنهم يدفعون ثمنا أكثر من الجانى نفسه».
مثلا.. أشك أن أحدا يستطيع أن يثبت واقعة الزنا «شرعا» حتى لو رتب ونظم وصور الواقعة، فكيف له من أربعة شهود من الرجال المسلمين، ويمكن أن يطعن فى «عدل» أحدهم؟ كأن يكون شاهد منهم غير مسلم، أو كذب أو سكر مرة، أو غير مواظب على أداء الصلوات، أو لم يبلغ بعد، أو إضطرب شاهد وتلعثم، أو رأى الثلاثة الواقعة برمتها «المرود فى المكحلة» إلا واحدا فقط !!.
أو أن الطرفين حين واقعة الزنا قد تدثرا بغطاء خفيف منع شاهدا أو أكثر أن يمرر خيطا بينهما!! الغريب أن طرفى الواقعة عليهما الامتثال والثبات على الموقف كاملا دون حركة حتى يأتى المغدور بالشهود الأربعة لإثبات الواقعة من الناحية الشرعية لإقامة الحد، وهو أمر يستحيل معه الإثبات.. فكيف تستقر الأحوال إذا تعذر هذا؟! إلا بإثبات الواقعة وفقا للعلم الحديث وطرق الإثبات التى يطمئن لها القاضى.
والأهم هو الستر عند العقوبة، دون فضيحة أطراف أخرى كثيرة تسير بهم الحياة دون أن يلاحقهم العار أينما ذهبوا، وهو أمر مطلوب حين تنفيذ الحدود «وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين» وأذكر حضراتكم أن داعش قد توسعت من «طائفة» إلى «سكان الكرة الأرضية» حين كانت تبث «على الهواء» رجم المرأة الزانية، بدعوى جلب المصلحة.
إلا أنه قد جلب الكثير من المفاسد، حين دمر أسرا وسلالات بأكملها، وأصاب أولادهم بالعار وبأمراض نفسية، ومطاردات لاحقتهم أينما رحلوا وحلوا، وهو مخالف لمبدأ قرآنى «ولاتزر وازرة وزرَ أخرى».
وهذا حد السرقة وشروطه لإقامة الحد، لايطبق على قاصر أو غير مكلف أوغير بالغ أو جائع أو عار أو محتاج أو مكره، ويطبق على السارق المتخفى المستتر، ولايطبق على الخاطف والمنتهب وقاطع الطريق، ولايطبق على مختلس المال العام أو الحكومة أو البنوك «لشبهة الظلم فى جمعه» ولايطبق إلا فى حرز «أى ينتقل به السارق من مكان السرقة إلى الخارج.
وأن يكون النصاب« القيمة للمسروق لاتقل عن ألف جنيه، فإذا نقص لايطبق الحد (لو اشترك خمسة فى سرقة أربعة آلاف جنيه لايطبق الحد عليهم» ولايطبق فى حالات الرشوة أو استغلال النفوذ أو التربح من المنصب أو العمولات، أو أحد الأبناء إذا سرق من أبويه لشبهة الملكية، وأن يكون المسروق مالا «محترما ليس تافها» فلا يطبق على من سرق خمرا أو تمثالا أو لوحة من اللوح حتى لو كان المسروق أثرا تاريخيا يقدر بالملايين «وأخيرا أن يكون السارق غير عالم بالتحريم.. وأتساءل: من ذا ياترى الذى يسرق ولايفلت من هذه الشروط بسهولة ويسر؟.. حتى سارق الموناليزا وأبو الهول يفلت ويبرأ من التهمة.
وعن حد الحرابة فهو لقطاع الطرق ومحاربى الله ورسوله، وشروطه الشرعية منها العقل والبلوغ، واتفقوا على سقوط التهمة على القاصر وغير المكلف، واختلفوا حول سقوط التهمة عن البالغين والمكلفين المشاركين فى الجريمة إذا كان بينهم قاصر واحد، عند الأحناف يسقط الجرم عن الجميع فإذا سقط عن البعض سقط عن الكل لأنهم متضامنون فى المسؤولية (لاحظ كيف يستفيد قطاع الطرق حين يشاركهم فى السطو صغير أو مجنون) أما باقى المذاهب فهى لاتسقط الحد عن البالغ من المشاركين.
وعن باقى الشروط حمل السلاح للقتل، واختلف الفقهاء حول قطع الطريق بالعصى والحجارة، فقد اعتبرهم الأحناف ليسوا بمحاربين، وباقى الفقهاء اعتبروهم محاربين، ويشترط أن تكون الواقعة فى الصحراء وأطراف المدن وبعيدة عن العمران، مع المجاهرة بتهديد السلاح، فإذا خطفوا المال وهربوا فلا حد عليهم، وتنفيذ عقوبة الحرابة تتدرج وفقا لأحداثها.
إن تم السطو والنهب مع الترويع، أو تم السطو والنهب مع القتل، وهى بالترتيب القتل أو الصلب أو تقطيع الأيدى والأرجل من خلاف أو النفى، وللحاكم أن يختار واحدة فقط من العقوبات المذكورة.
وعن حد رمى المحصنات، فهو خاص فقط برمى المحصنات بالزنا وليس غيره من سب أو شتم أو لمز، ولن يجرؤ أحد أن يتهم امرأة بالزنا حتى لو كان الزوج نفسه وهو على يقين بالواقعة، لأنه لو لم يقدم الأدلة الشرعية السابقة فإن الحد سيلحقه لا محالة وبيسر وسهولة. (للحديث بقية)
الدولة المدنية هى الحل.
نقلا عن المصرى اليوم