د. رامي عطا
منذ سنوات بعيدة ووسائل الإعلام، على مختلف أشكالها وتنوع مضامينها واختلاف ملكياتها وتوجهاتها، وهى تقف فى قفص الاتهام، فهناك اتهامات كثيرة يوجهها البعض للإعلام، تتركز حول مسؤوليته المباشرة فى بعض الأحيان وغير المباشرة فى أحيان أخرى وراء تراجع الكثير من القيم الإيجابية.
وانهيار السلوك وتذبذب الأخلاق وانتشار الجريمة والعنف على مستوى الأسرة والمجتمع، مع تصاعد سلوكيات وممارسات غريبة على المجتمع المصرى، العربى والشرقى، والاحتفاء بأبطال زائفين، وتجاهل الأبطال الحقيقيين فى مختلف المجالات.
والتفاهة أو السطحية فى تناول بعض القضايا والمشكلات، فضلًا عن دور بعض وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى فى انتشار الشائعات وانطلاق الأخبار الزائفة، وغيرها من اتهامات.
تتصاعد تلك الاتهامات يومًا بعد الآخر، على الرغم من أن الإعلام قوة ناعمة وزكية، يقدم الوطن والمواطنين لكل العالم، وبالتالى يمكن استثماره فى مجالات بناء الوعى وتحقيق التنمية وتكوين الشخصية المتكاملة روحيًّا وعقليًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا.
ومن جانب آخر فإن الإعلاميين هم أصحاب فكر ورؤية ورسالة تدور فى جوهرها حول التثقيف والتنوير وخدمة المجتمع والارتقاء بمواطنيه، من خلال دعم وترسيخ القيم والمبادئ الإيجابية مثل مبدأ المواطنة وثقافة الحوار وقيم المحبة والتعاون والتسامح والعمل والعيش المشترك والسلام الإيجابى وغيرها.
فى تقديرى أنه فى ظل هذه الحالة يبرز أمامنا طريقان، يتعلق أولهما بالجماعة الصحفية والإعلامية، من حيث العمل على تقوية الضمير المهنى وتعظيم التمسك بالقيم والأخلاقيات.
وإعمال القوانين والتشريعات من جانب القائمين بالاتصال أنفسهم عبر مؤسسات التنظيم الذاتى، ونقصد هنا نقابة الصحفيين ونقابة الإعلاميين، بالإضافة إلى المؤسسات المهنية، الصحفية والإعلامية، وأضيف كليات ومعاهد وأقسام الإعلام، بمناهجها وأنشطتها وتدريباتها.
نعم، هناك دور مهم يقع على عاتق التنظيمات الذاتية والمؤسسات المهنية والمعاهد العلمية فى تثقيف الإعلاميين وتدريبهم على تقديم معالجات إعلامية هادئة ومتوازنة، تنطلق من المسؤولية الاجتماعية، وتُعلى المصلحة الوطنية، ومن جهة أخرى مساءلة الصحفيين والإعلاميين عن ممارساتهم إعمالًا لمبدأ الثواب والعقاب، من خلال المراصد الإعلامية.
أما الحل الثانى فهو خاص بجمهور القراء والمستمعين والمشاهدين، ويرتكز حول الاهتمام بمسألة التربية الإعلامية، أو بعبارة أخرى محو الأمية الإعلامية (Media Literacy)، لمختلف الفئات العمرية والمراحل السنية، خاصة الأطفال والنشء والشباب، حيث يدور مفهوم التربية الإعلامية حول مواجهة الانفلات الإعلامى والحماية من المضامين السلبية، أو تلك الرسائل التى يمكن أن تُسبب أضرارًا بالإنسان/ المواطن والمجتمع/ الوطن.
والتعامل السليم والصحيح مع ما تقدمه وسائل الإعلام من مضامين متنوعة، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، ومن ثَمَّ التدريب على حُسن الاختيار والانتقاء من بين ما يُقدم ويُعرض، والتفكير التحليلى والنقدى فيما نتلقاه من رسائل إعلامية، وأخذ القرار فيما يجب أن نتابعه وما يجب ألّا نتابعه.
وحسب البعض، فإنه تتعدد أهداف التربية الإعلامية من حيث السعى إلى التمييز والحكم على مصداقية الأخبار، ومعرفة وتقييم المحتوى والرسائل الإعلامية، وفهم التأثيرات الإعلامية، وتنمية قدرات التفكير الناقد.
وتشجيع المشارکة النشطة والفعّالة فى صنع المحتوى الإعلامى بدلًا من مجرد الاکتفاء بالمتابعة، خاصة أن تطورات التكنولوجيا الحديثة مع تنامى شبكات التواصل الاجتماعى وسهولة استخدامها قد أتاحت إنتاج المحتوى الإعلامى بشكل أسهل وأرخص وأسرع، فى شكل نصوص وصور وفيديوهات وسومات توضيحية وغيرها من قوالب وأشكال.
ولأن التربية الإعلامية تستهدف أيضًا امتلاك المهارات والفهم والوعى الكامل للتعامل مع وسائل الإعلام المختلفة، بوعى وذكاء ومسؤولية، فهى دعوة إلى أساتذة الإعلام والاجتماع والنفس لأن يعملوا على إعداد مقرر للمراحل العمرية المختلفة، بالتعاون مع كليات ومعاهد الإعلام ومنظمات المجتمع المدنى المعنية بالحالة الثقافية والإعلامية.
ويبقى الوطن مصر، ومجتمعنا الإنسانى المشترك، من وراء القصد.
نقلا عن المصرى اليوم