ياسر أيوب
لم تكن مجرد أغنية التي قدمها فريق آبا السويدى 1980 بعنوان الفائز يأخذ كل شىء.. والتى كان من كلماتها أن الفائز يأخذ كل شىء والخاسر يقف بجانبه ويبدو صغيرًا جدًّا.. إنما كانت حقيقة يعرفها الجميع سواء في الحرب أو اللعب والحب والعمل والحياة كلها.. فالفائز يأخذ كل الفرحة والاحتفال والتصفيق، ولا تبقى للخاسر إلا أحزانه ومرارته وإحباطاته.. ومثل أي قاعدة في الدنيا دائمًا لها استثناءات.
والاستثناء هذه المرة كان كل هذا الحب والاحترام والتصفيق لبطلة كمبوديا بو سامنانج في نهاية سباق 5000 متر في دورة ألعاب جنوب شرق آسيا التي انتهت منذ يومين.. فعلى الرغم من أن بو لم تفُزْ بالسباق، ولم تكن حتى الثانية أو الثالثة، إنما كانت الأخيرة.. ووقف كل مَن كانوا في استاد مورودوك في عاصمة كمبوديا بنوم بنه خمس دقائق انتظارًا لأن تصل بو إلى خط النهاية، بعدما سبقتها كل اللاعبات، لكنها ظلت تحاول رغم كل معاناتها الصحية ورغم مطر ثقيل.
وفوجئت بو حين بلغت خط النهاية متعبة وحزينة وموجوعة بكل مَن هم في الاستاد يصفقون لها. مسؤولو اللجنة الأوليمبية الدولية ومسؤولو كمبوديا السياسيون والرياضيون وممثلو البلدان المشاركة والإعلاميون والجماهير يصفقون لها كثيرًا وطويلًا.
تصفيقًا لم تحصل عليه أو تحلم به نوين تى وان، بطلة فيتنام، التي فازت بالسباق.. فقد أدرك الجميع أن بو رفضت الانسحاب وأصرت على إكمال السباق رغم كل شىء احترامًا لبلادها وللرياضة وللحاضرين.. أدركوا مع بو أن هناك أحيانًا ما هو أهم من الفوز والميدالية والبطولة.. وكأنهم لم يصفقوا لبطلة لا تزال في العشرين من عمرها رفضت الانسحاب رغم قسوة الاستمرار، إنما للإنسان حين يبقى يحاول سواء نجح أو فشل ويظل واقفًا على قدميه رغم كل ما تحتها من أشواك وحجارة.
ولم يقتصر الأمر على مَن كانوا يومها في الاستاد، إنما تداول العالم حكاية بو بمنتهى التعاطف والحب والاحترام أيضًا.. وعلى الرغم من 80 ميدالية فازت بها كمبوديا في هذه الدورة، احتلت بها المركز الرابع، بعد فيتنام وتايلاند وإندونيسيا.
إلا أن فرحة كمبوديا بما قامت به بو كانت أكبر وأجمل من فرحتها بأى ميدالية أو انتصار.. كأن كمبوديا وجدت في بو ما كانت تريده حين تقدمت تطلب استضافة هذه الدورة الثانية والثلاثين، لأول مرة في تاريخها.. ولهذا لم يكن مفاجئًا أن يقدم لها وزير الإعلام هدية فورية قيمتها 250 دولارًا.. وعشرة آلاف دولار من رئيس الوزراء، إلى جانب هدية أخرى من ملك كمبوديا.
وأعلنت بو أنها ستقوم أخيرًا بسداد كل ديون والدتها بعد وفاة أبيها، ومواصلة تعليمها.. فقد نشأت في أسرة فقيرة لا تملك شيئًا، وحتى حين ظهرت موهبتها لم تكن تملك ما يكفى للانضمام إلى أي نادٍ، ولم تملك إلا حذاء واحدًا، ولا تزال تشكو الأنيميا وأمراضًا أخرى، ورغم كل ذلك ظلت تحلم وتحاول حتى تم اختيارها لمنتخب بلادها.
نقلا عن المصري اليوم