حمدي رزق
«فوجئت بجائزة النقابة التقديرية، ولم يكن على بالى أن هناك مَن يتذكّرنى..» العلامة الأستاذ «محمد العزبى» نموذج ومثال، أناقة في التواضع، وترفع وكبرياء وعزة نفس.
حتى تكريمه المستحق والمتأخر يقابله بكل تواضع وامتنان، والامتنان حالة من الشكر القلبى، بينما يقف الشاكر عند حدود رد الفعل المتولد عن مشهد عطاء، فإن الممتن يعبر عن إدراكه لكنه العطاء وفحواه الإنسانى.
نحن هم الممتنون أستاذنا الكبير، وقبولكم جائزة نقابتنا العريقة إكبار للمخلصين، شرف لنا عظيم، اختيار صادف أهله، ومشكور مجلس النقابة على حسن التقدير لرمز مهنى كبير يعيش بيننا مشجعًا داعمًا لا يفوت جملة حلوة إلا وقف على حروفها متأملًا حسن الصنعة.
الأستاذ العزبى جواهرجى قديم في الصنعة، يختبر الأحجار الكريمة، فإذا صادفها، بش وهش واغتبط احتفاء، ندرة هم الجواهرجية في سوق الصاغة الصحفية، ثلة من المقدرين، جواهر التاج، كل منهم مدرسة صحفية تدب بعصاها الأرض.
وهن العظم واشتعل الرأس شيبًا، ولكنهم (كبارنا المقدرون) ممسكون بجمر المهنة، عاكفون على مطالعة كتاب الصحافة، حافظون للعهد، ولميثاق الشرف الصحفى.
جائزة نقابة الصحفيين التقديرية للأستاذ «العزبى» تقدير مستحق لمَن يستحق، تالية لجائزة «شخصية العام»، في جائزة «مصطفى وعلى أمين» المرموقة.
الجائزة التقديرية من موجبات السعادة، تسعد وتغتبط أن يعود كاتب من رحلة الألم، من الاعتزال الطوعى والفقد العزيز، ليكتب كتابًا شيقًا بعنوان جذاب «هل يدخل الصحفيون الجنة؟!»، أظنها جائزة مستحقة، وكتاب هو جائزة للصحفيين جميعًا.. سعادة مضاعفة بتكريم مستحق لشيخنا الجليل الذي طالما أمتعنا بقلمه.
وليس فرض كفاية، حضور الأساتذة الكبار في نقابتهم يبدد الوحشة، ويسرى دفئًا في الأوصال الباردة، يطوّل الله في أعمارهم حتى نتعلم منهم حب الوطن، تجمعنا وتجمعهم غنوة وطن، يشدو بها كلٌّ بطريقته الخاصة، تختلف الخطوط، ولكنها ظاهرة جلية في كتاباتهم.
معلوم جواهر تاج الصحافة المصرية ندرة، وصندوق الجواهر لا يزال يحوى الدرَّ كَامِنًا، والتنقيب عن الجواهر من لزوميات المحبين.
تجليات العزبى كلمات راقصة، نمسك بتلابيب إبداعاته، تعلمًا ودرسًا وابتهاجًا وغبطة، ونتمنى من الله أن ينعم علينا بنعمة الإبداع التي يتمتع بها، فالإبداع نعمة، والحفاظ عليها قدرة استثنائية، وهؤلاء أجيال تربت على الإبداع المستدام، بقدرة عبقرية على حب البقاء الإبداعى.
مع اختلاف مشاربهم السياسية، ومنطلقاتهم الفكرية، لكنهم جميعًا وندرة من الصحفيين المبدعين يشكلون العمود الفقرى لمهنة أخشى في محنة لأسباب ليس مجالها هذه السطور الاحتفائية بالكبار وكبيرنا وتاج رأسنا الأستاذ العزبى.
شيوخنا يحفظون للمهنة قدرها المعتبر، ويشكلون حالة ألق، نقف أمامهم، ونرنو، كطلاب علم، وفى محراب الدرس نتعلم الإخلاص للفكرة، للمبدأ، للحق والجمال والعدل، كل منهم شيخ عمود، ومجموع الأعمدة يرفع سقف المهنة إلى عنان السماء، ومن تحت هذا السقف نمارس مهنتنا بتواضع أمام قامات سامقة أعطت ولا تزال تعطى، جُبلت على العطاء.. معطاءة.
راجع تصريحات الأستاذ بعد التكريم: «أنا حريص على الصحافة الورقية.. وأخشى عليها». الأستاذ يخشى على المهنة، دماء الصحافة حارة تجرى في عروقه، لا تزال خبيئته نابضة بالإبداع.. والإبداع حياة، أطال الله في أعمار كبار الصحفيين.. معلمين ونتعلم منهم.
نقلا عن المصرى اليوم