ياسر أيوب
فى البحر الكاريبى.. تحولت جزيرة مونتيسيرات إلى دولة شبه مستقلة تتبع التاج البريطانى.. دولة لا تزيد مساحتها على 170 كيلومترًا، ويسكنها عشرة آلاف شخص، يعشق كثيرون منهم كرة القدم.. عشقًا لم يسفر عن أى انتصار كروى للمنتخب أو حتى إقامة دورى منتظم.. واكتملت المأساة بانفجار بركان سوفرييار فى 1995، وانهارت بسببه بيوت العاصمة بلايموث، وتم إخلاؤها، وقامت البحرية البريطانية بنقل نصف السكان كلاجئين إلى بريطانيا.. وتحطم أيضًا الاستاد الوحيد فى الدولة، وتوقف مؤقتًا نشاطها الكروى، فأصبحت الأخيرة فى قائمة تصنيف «فيفا» لبلدان العالم.. ولم تسبقها فى هذا التصنيف الكروى إلا بوتان.. دولة صغيرة أخرى فى آسيا بين الصين والهند، واشتهرت باسم أرض التنين.. دولة يعيش فيها قرابة سبعمائة ألف شخص أيضًا يعشقون كرة القدم رغم أن منتخبهم لم يَفُزْ بأى مباراة رسمية، وفوزهم الوحيد كان على منتخب التبت فى مباراة ودية لم يعترف بها «فيفا».. وفى 2002 حين أُقيم أول مونديال فى قارة آسيا.. ولأن هولندا فشلت فى التأهل لهذا المونديال.
وبالتالى خسرت الوكالات الإعلانية الهولندية فرصة العمل والربح، قرر اثنان شريكان فى إحدى تلك الوكالات.. يوهان كرامر وماتيس دى يونج.. تنظيم مباراة كروية ودية بين مونتيسيرات وبوتان، وأن تُقام فى نفس يوم وتوقيت المباراة النهائية لمونديال 2002 بين البرازيل وألمانيا.. فقد أراد الهولنديان تحدى نهائى المونديال، الذى بالتأكيد سيشاهده العالم كله بمباراة أخرى فى نفس التوقيت بين آخر دولتين فى قائمة تصنيف «فيفا»، بما يعنى أنهما أضعف دولتين كرويًّا فى العالم.. ورغم ذلك لم يكن من السهل ترتيب مثل هذه المباراة.. وظن مسؤولو الكرة فى البلدين أنها مجرد نكتة.. لكن نجح الهولنديان أولًا فى إقناع مسؤولى اتحاد مونتيسيرات بالموافقة على لعب المباراة، خاصة أنها وسيلة لإخراج الناس من حالة الاكتئاب الجماعى بعد انفجار البركان.
ووافقت بوتان أيضًا، خاصة أن المباراة ستُقام على أرضها.. ووافق المدرب الهولندى آرى سخانس على قيادة منتخب بوتان فى هذه المباراة.. وبعيدًا عن فوز بوتان بالمباراة بأربعة أهداف نظيفة.. كانت المباراة حافلة بالمفاجآت.. فقد فوجئ الجميع بأكثر من 15 ألف متفرج امتلأت بهم مدرجات استاد شانجليميثانج فى تيمفو عاصمة بوتان، قرروا واختاروا الفرجة على مباراة القاع الكروى بين بوتان ومونتيسيرات بدلًا من قمة العالم بين البرازيل وألمانيا.. وفوجئ الهولنديان أيضًا باهتمام عالمى بهذه المباراة وفكرتها ومعناها.. لكن المفاجأة الكبرى والأهم والأجمل كانت السعادة التى رآها الهولنديان على وجوه الجميع.. سواء فازوا أو خسروا ولعبوا أو شاهدوا.. وأصبحت الحكاية كلها درسًا من الصعب نسيانه، هو أن الفرحة لا تتطلب الكثير من المال أو الجاه.. فالذى يريد ويحتاج أن يفرح سيفرح، حتى بما قد يراه الآخرون قليلًا جدًّا.. والذى لا يريد الفرحة سيبقى حزينًا، حتى لو امتلك كل شىء.. فالفرحة هى قرار ورغبة وضرورة لكى تبقى الحياة ممكنة.
نقلا عن المصرى اليوم