بمناسبة الخمسين المقدسة'> قراءات الأحد الخامس من الخمسين المقدسة:
القمص يوحنا نصيف
أجمل ما في مسيحيّتنا هو شخص المسيح نفسه.. فنحن لسنا مجرّد "أهل كتاب" كما يدعونا البعض، ولكنّنا "أهل شخص"؛ أحبّنا إلى المنتهى.. أخذ جسدنا، وحارب معركتنا، وهزم الموت لحسابنا، وفتح لنا باب العضويّة في جسده، لكي يهبنا الحياة فيه..
في حديث السيّد المسيح المُمتِع مع توما، في ليلة الصليب، ألمح له وللتلاميذ أنّه سيتركهم، ولكنّهم سيعرفون أين سيذهب، وسيعلمون الطريق.. فتحيّر توما بالأكثر، وقال له: "يَا سَيِّدُ، لَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ تَذْهَبُ، فَكَيْفَ نَقْدِرُ أَنْ نَعْرِفَ الطَّرِيقَ؟ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي." (يو14: 4-6)..
هنا ينفتح لنا مفهوم جميل، وهو أنّه بوجودنا في المسيح فنحن في الطريق المؤدّي إلى الله.. وحول هذا المفهوم عاشت الكنيسة منذ عصر الرسل وحتّى الآن.. فقد كان المسيحيّون الأوائل، يُسَمَّوْن "أهل الطريق"، كما جاء في سِفر أعمال الرسل (أع9: 2 - أع19: 9، 23 - أع22: 4 - أع24: 14، 22)..!
أحيانًا ننزعج، عندما نفكّر في كلام السيّد المسيح عن الطريق المؤدّي إلى الحياة (مت7: 13-14)، عندما وصفه بأنّه طريق كرب، وبابه ضيّق جدًّا.. ولكن بعد أن فهمنا أنّ الطريق هو المسيح نفسه، فهذا يطمئنّا جدًّا، بأنّ ثباتنا في المسيح سيضمن لنا الوصول بكلّ تأكيد..!
لكن لعلّنا نفكِّر، ما هو دورنا نحن بالتحديد؟! فإذا كان السيّد المسيح هو الطريق، هو طريق الخلاص، هو طريق الحياة الأبديّة.. فماذا نفعل لكي نضمن الخلاص والحياة الأبديّة؟!
ينبّهنا القديس بولس الرسول قائلاً: "كَمَا قَبِلْتُمُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ الرَّبَّ اسْلُكُوا فِيهِ، مُتَأَصِّلِينَ وَمَبْنِيِّينَ فِيهِ.." (كو1: 6-7).. فسلوكنا وكلّ تصرفاتنا ينبغي أن تكون نابعة من عضويّتنا في المسيح؛ فهو الطريق الذي يحملنا فيه..
وأيضًا يضع لنا القديس بطرس الرسول في رسالته الثانية (2بط1: 3-11) روشتّة متكاملة عن كيفيّة السلوك في الطريق.. فبعد أن يؤكِّد لنا أنّه قد وُهِبَت لنا المواعيد العُظمى والثمينة، وصِرنا شركاء الطبيعة الإلهيّة، باتحادنا بالمسيح.. يطلب مِنّا ما يلي:
1- رفض الفساد والشهوات العالميّة، بل والهروب منها تمامًا.
2- بذل كلّ الجهد في النمو الروحي.. فنُضيف على الفضيلة معرفة نقيّة وصبرًا، ونتحلّى بمخافة الله والمودّة الأخويّة، ويمتلئ قلبنا حُبًّا للجميع..
3- تثبيت أقدامنا في طريق الذي اختارنا ودعانا هذه الدعوة السماويّة.
ثمّ يختم كلامه بالقول: "أَنَّهُ هكَذَا يُقَدَّمُ لَكُمْ بِسِعَةٍ دُخُولٌ إِلَى مَلَكُوتِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الأَبَدِيِّ".. وهذا كلام مُشجِّع جدًّا، ويُعني أنّه إذا سلكنا حسب الخطوات السابقة، سيكون باب الملكوت مفتوحًا لنا على اتّساعِهِ.. وسيكون السير في الطريق مُمتِعًا، ومُفرِحًا.. وغاية في الأمان والطمأنينة..!
فإذا كان الأمر هكذا، فلماذا يصفّ الرب يسوع الباب بأنّه ضيّق والطريق أنّه كَرْبٌ وصعب، مادام الطريق هو المسيح نفسه..؟!
الحقيقة أنّ صعوبة الطريق تأتي من أنّ المسيح الذي نحن ثابتون فيه هو مسيحٌ مصلوب، ومُهان، ومجروح، ومرفوض من العالم.. مع أنّه قائم وغالبٌ أيضًا..!
الطريق بالتأكيد مؤدّي إلى الحياة، ولكنّه يمرّ عبر أرض غربة هذا العالم، وسط مقاومة شرسة من عدوّ الخير.. ولذلك فإنّ السائر فيه بثبات ينبغي أن يتألّم مع المسيح، كعضو في جسده.. بمعنى أن يأخُذ نصيبه من آلام هذا الجسد الذي دخل إلى عضويّته بالمعموديّة (1كو12: 13)، لكي يأخُذ أيضًا نصيبه من المجد والفرح الأبدي..!
القمص يوحنا نصيف