مراد وهبة
فى شهر مارس من هذا العام، أقام مركز العلوم والتكنولوجيا بمدينة كولمبوس، عاصمة ولاية أوهايو، معرض الملك توت عنخ آمون، أشهر الملوك المصريين القدماء، والذى اعتلى العرش فى عام 1334 قبل الميلاد، وهو فى سن التاسعة، وكان اسمه أمنحتب الثالث، ابن أمنحتب الرابع، وكان يعتقد أن إله الشمس هو إله هذا الكون، وأنه الإله الوحيد. وكانت كلمة آتون تعنى الشمس، وكانت فى مقام الإله الجديد، وبالتالى أصدر أمرًا بأن على المصريين عبادة آتون، ونسيان الآلهة الأخرى بلا استثناء. ومن أجل التأكد من تنفيذ ذلك الأمر، أصدر أمرًا آخر بهدم المعابد الأخرى، مع طرد كهنتها، ومن بينها بالذات معبد الإله آمون، الموجود بالكرنك، وشيد بدلًا منه معبدًا فى تل العمارنة، الأمر الذى ترتب عليه تغيير اسمه من أمنحتب إلى إخناتون.
وكانت فى هذا المعبد معلومات جديدة عن إخناتون وديانته الجديدة، ومن بينها أناشيد كتبها بنفسه مديحًا فى إله الشمس، حيث كان يراه الإله الوحيد الخالق للمصريين والأجانب كما يرى أنه الأب المُحِبّ، وقيل عن هذا الدين الجديد إنه التوحيد، أى عقيدة الإيمان بإله واحد.
وكان من شأن ذلك كله أن تآمر كهنة الآلهة القديمة مع الجنود الحاقدين على خلعهم من وظائفهم. وعندما مات إخناتون أصبح كهنة آمون من القوة، فأجبروا الملك الجديد على ترك تل العمارنة والذهاب إلى طيبة، حيث أجبروه على تغيير اسمه، وذلك بحذف كلمة آتون، ووضع كلمة آمون بدلًا منها، وهكذا تحول اسمه من توت عنخ آتون إلى توت عنخ آمون. وهكذا عادت عبادة الإله آمون ومعه الآلهة الأخرى، وبذلك اختفت عقيدة إخناتون، ومعها انتهت الأسرة. إلا أن ثمة تسبيحات يلزم التنويه بها، وهى على النحو الآتى:
ما أكثر مخلوقاتك التى نجهلها. أنت الإله الأحد، لا شريك لك فى المُلك. خلقتَ الأرض بإرادتك. ولما كنت وحيدًا فى هذا الكون خلقت الإنسان والحيوان الكبير والصغير والمخلوقات التى تدب على الأرض أو تطير بأجنحتها. أنت فى قلبى. لا يعرفك سوى ابنك إخناتون، الذى جعلته عاملًا بآرائك وقوتك. العلم كله فى قبضتك كما خلقته.
ومع ذلك كله، فقد عُزل، بعد أن حكم سبع عشرة سنة. وبموته انتهت الإمبراطورية الأولى، الممثلة لأول إمبراطورية كبرى فى الشرق القديم.
ومع ذلك، فالرأى عندى أن هذه الإمبراطورية الأولى لها صدى فيما نحياه اليوم فى الإمبراطوريات سواء كانت الإمبراطورية الأمريكية الهابطة أو الإمبراطورية الروسية الصاعدة، من حيث إن الصراع قائم بين ما أسميه الأصوليات الدينية، وهى أصوليات تزعم كل منها أن لديها عقيدة يلزم أن تكون بديلًا عن العقائد الأخرى، ومن ثَمَّ تريد تدميرها على نحو ما دمر آمون خصمه آتون. إلا أن آتون عاد ودمره.
ويبقى بعد ذلك سؤال يلزم أن يُثار:
هل ثمة فارق بين ما حدث فى نهاية الإمبراطورية الأولى وما يحدث فى هذا الزمان؟.
وإذا لم يكن ثمة فارق، فهل التاريخ يعيد نفسه، على نحو التعبير الشائع؟.
وإذا صدق ذلك التعبير الشائع، فأين يكمن الإبداع؟.
هل يكمن فى التكنولوجيا ليس إلا، على حد القول الشائع بين مفكرى هذا الزمان؟.
نقلا عن المصرى اليوم