سمير عطا الله
أطلعتنا الحرب الأوكرانية على أسماء لم يكن أحد قد سمع بها خارج أوروبا الشرقية. ومعظم هذه الأسماء صعب اللفظ مثل اللغات السلافية، وصعب الحفظ مثل سفرى دونيتسك لوهان، وبهوهو ديشته، وبيلو هوريفكا، وزايو فرهزيار.
غير أن الأسماء التى علقت فى الذاكرة، كما علقت من قبل لينيجراد وستالينجراد، رمزا للبطولة الروسية فى الحرب العالمية، كانت سهلة اللفظ نسبيا مثل خيرسون وكييف وباخموت، التى أعلن الروس السيطرة عليها أخيرا بعد 15 شهرا من القتال.
القتال بين مَن ومَن؟ بين روسيا الاتحادية، إحدى أكبر القوى العسكرية فى العالم منذ قرون، وبين أوكرانيا ومن خلفها السلاح الأمريكى والأوروبى، ومعه أحدث التقنيات العسكرية.
15 شهرا من القتال فى بقعة مساحتها 41 كيلومترا، وسكانها 73 ألف شخص. أى حارة من أحياء لندن، وزنقة من زنقات القاهرة، فهل يمكننا أن نتخيل ماذا جرى، يوما بعد يوم، وكم خرابا وقتيلا فى المتر المربع؟ وهل الانتصار باللغة العسكرية فوز للروس فى نتائجه أم للأوكرانيين فى مدته؟ إذا طالت الحرب أكثر على هذا المنوال لن يبقى من يعلن انتصاره.
الفوز الوحيد فى الحروب على مر التاريخ هو نهايتها، لا بداياتها. الخطوة الإيجابية الوحيدة على الجبهة كانت وساطة الأمير محمد بن سلمان. ومن أجل أن تقوم بدور الوسيط يجب أن تكون علاقتك جيدة بالخصمين.
المعنى السياسى فى حضور الرئيس الأوكرانى إلى جدة كان نوعا من إعلان الموقع الجديد للسعودية فى مساحة الأمم. ضيفان قادمان من أكثر النزاعات اشتعالا. الرئيس الأوكرانى بدعوة من المملكة منفردة، والرئيس السورى بدعوة الجامعة، وفى الحالتين الرجل خلف هذا التحول الدولى، أمير شاب منهمك ليل نهار فى نقل المنطقة من حالات الحروب المزمنة إلى السلام الدائم، وربما أيضا الازدهار المستديم.
ليست خطة الأمير محمد بهذه السهولة. التاريخ صناعة شاقة ودروب شديدة الصعوبة. لكن التحدى وضع على الطاولة أمام العالم أجمع. والخيار واضح: إما الانتقال بالمنطقة إلى مستقبل مفتوح، أو البقاء فى ماضٍ مغلق، متخلف ودائم.
وذهب زيلينسكى من جدة إلى قمة السبع فى هيروشيما، أكثر الأسماء مأساوية فى حروب البشر. المجىء إلى جدة والذهاب منها، رحلة لها أكثر من مغزى. فالحقيقة أن العالم برمّته كان فى المجاز حاضرا فى عروس البحر الأحمر.
لم تكن أى من الدول الكبرى غائبة عن العالم الجديد الذى يضع الأمير محمد خريطته الدبلوماسية أمام العالم.
نقلا عن صحيفة «الشرق الأوسط»