كريمة كمال
كتب أحدهم على الـ«فيسبوك» هذا البوست وشيّره، يطالب كثيرون: «الشعب السكندرى يريد رصيف يمشى عليه، وبحر يتفرج عليه، مش على كافيهات ومطاعم وناس فارشه كراسى مستوليه بيها على الحتة اللى باقية من الكورنيش.
عاوزين إسكندرية بتاعة زمان». وأنا أضم صوتى لصوت كاتب البوست، لكن أضيف له أنه ليس الشعب السكندرى الذى يطالب بذلك، بل كل الشعب المصرى يطالب بذلك، فكلنا كنا نحب الإسكندرية، وكلنا كنا نستمتع بها عندما نذهب إليها، وكلنا نحتفظ فى ذاكرتنا بملامح الإسكندرية القديمة التى كانت يومًا جميلة.
ما تم فى الإسكندرية على مدى السنوات السابقة شوّه أجمل المدن لدينا.. الأمر بدأ منذ أن سُمح ببناء ناطحات سحاب قبيحة على الكورنيش، دون أن يتدخل أحد، أو يرفض أحد، أو يوقف هذا العبث أحد. فى كل مدن العالم، هناك جهات تراقب ما يتم بناؤه، وإذا ما كان جميلا أم لا، ومن حقها أن تتدخل وأن تمنع أى مبنى قبيح يمكن أن يرتفع. ولا أعرف ما الذى تفعله هيئة التنسيق الحضارى.
أليس من دورها أن تراقب ما يجرى، وأن تمنع بناء مثل هذا القبح الذى احتل كورنيش الإسكندرية وأصبح علامة على فساد الذوق والفوضى التى تسمح لكل من يريد أن يشوه أن يشوه؟!.. ويا ليت الأمر توقف عند هذا الحد، فقد تم إغلاق العديد من مساحات الكورنيش بأسوار تمنع رؤية البحر تمامًا وتشوه شكل الكورنيش، ثم وجدنا مباراة فى إقامة الكافيهات والمطاعم على الكورنيش لتغلقه تماما وتشوهه وتمنع أى إنسان من التمتع به.
وأخيرًا وليس آخرًا، رأينا على الـ«فيسبوك» صورة للكورنيش وقد تحولت مساحة منه لموقف للسيارات، ولم أصدق عينى عندما شاهدت هذه الصورة.. ولو صدقت لكنا قد أصبنا بجنون رسمى فيما يتعلق بالإسكندرية، وإن كان ما حدث بها حتى الآن كافيًا للوصف بالجنون المطبق.. وليس هذا فقط، فما جرى فى المنتزه من تشويه بمبانٍ حديثة لا تتلاءم بأى شكل من الأشكال مع معمار التراث الجميل بها كافٍ لنقول إن ما يجرى هو الجنون بعينه.
إذا ما كنا نجرى حوارا وطنيا ونريد تغييرا، فعلينا أن نطالب بتشكيل هيئة مدنية من الخبراء فى المعمار وأساتذته والفنانين والمثقفين الذين يقيمون فى هذه المدينة ليصبحوا الجهة التى توافق أو ترفض ما يتم فى هذه المدينة، سواء كانت إقامة مبان أو أسوار أو غيرها، لنضمن أن هناك رؤية جمالية تراقب ما يجرى بعد أن تحول الأمر إلى مجرد محاولة الاستفادة من أى شىء فى سبيل الحصول على دخل.
بصرف النظر عما يحدثه هذا الاستغلال أو هذه الاستفادة من تشويه لأجمل الأماكن لدينا. يجب أن يتوقف الاعتماد على الموظفين الكبار، بصرف النظر عن خلفيتهم الثقافية، فى أن يكونوا هم بمفردهم المهيمنين على ما يتم فى مدننا التاريخية؛ خاصة أن هناك حالة من الاستهانة بالتراث وبالتاريخ وبكل ما هو جميل، وتثمينًا واضحًا وجليًّا للحصول على الأموال، ليس فقط على حساب كل ما هو جميل، بل أيضا على حساب حق الإنسان المصرى فى التمتع بمدينته.
نحن نطالب بأن يتوقف هذا العبث وهذا التدمير وأن يكون هناك من يستطيع أن يمنع المزيد ممن يفهمون فى الجمال ويتذوقونه من فنانينا وأساتذتنا وخبرائنا، فمن الواضح أنه ليس هناك من يقوم بهذا الدور الآن.
نقلا عن المصرى اليوم