صباح الأربعاء قبل الماضي اكتظ شارع صلاح اللبودي برجال الشرطة ما بين ضباط مباحث ونظام شكلوا دوائر مصغرة تشير إلى أن الحدث ليس بالهين مع فرض كردون أمني بمحيط عقار بات محط الأنظار بحثًا عن فك لوغاريتم جريمة الدم والشرف.
منذ شهر ونصف تزوجت ثلاثينية من رجل لتحصد لقب الزوجة الثالثة مودعة حياة العزوبية أملا في استقبال حياة اجتماعية عمود خيمتها "ضل راجل ولا ضل حيطة".
اعتاد الزوج التردد على عش الزوجية بشكل دوري كما لو أنه يسير على جدول مقسم بين زوجاته إلا أنه لم يدر بخلده لبرهة أن قائمة النسوة اللاتي في عصمته سرعان ما سينقص عددها بشكل مأساوي وذكرى دموية.
بالعودة إلى الشارع الضيق متراص العقارات بعزبة الصعايدة بمنطقة إمبابة شمال الجيزة، ورد بلاغ إلى اللواء محمد الشرقاوي مدير مباحث الجيزة بوجود حالة غيبوبة بشارع صلاح اللبودي من ترعة السواحل.
المعاينة الأولية التي أشرف عليها اللواء أحمد الوتيدي مدير المباحث الجنائية -وفي وجود فريق من النيابة العامة- بينت وجود جثة سيدة تبلغ من العمر 38 سنة مقيدة بالحبال بها آثار اعتداء بفروة الرأس بآلة حادة.
بهدوءه المعتاد وحضوره الملفت للحاضرين وصل العقيد محمد ربيع مفتش فرقة إمبابة والمنيرة مسرح الجريمة. لم يحتاج "ربيع" الاستفسار عن شئ وراح ينجز ما اعتاد إتمامه طيلة حياته الشرطية بجمع المعلومات ومن قبلها معاينة مسرح الجريمة بشكل دقيق.
دخول شرعي عبر باب الشقة وعدم وجود بعثرة في محتويات الشقة استبعد معه رجال المباحث فرضية القتل بدافع السرقة. انتقل فريق البحث إلى الخطوة التالية بفحص كاميرات المراقبة لكنها حملت خبرًا سيئًا فلم ترصد شئ.
بالانتقال إلى ديوان القسم المطل على كورنيش النيل، يتابع العميد هاني شعراوي رئيس المباحث الجنائية لقطاع الشمال، تطورات القضية وآخر ما وصل إليه الضباط مانحًا إياهم مفتاح حل اللغز "القاتل مش هيطلع برا العمارة".
المشتبه به الأول كان الزوج إلا أن التحريات التي قادها المقدم مؤمن فرج رئيس مباحث إمبابة ومعاونه الرائد عمرو ممتاز أثبتت تواجده في مسكنه وسط أولاده تزامنًا مع ارتكاب الجريمة ليوسع عناصر فريق البحث دائرة الاشتباه وتشمل الجيران.
يوم تلو آخر لم يفقد الضباط مع غروب الشمس الأمل بأن حل القضية بات قريب المنال وأن سقوط الجاني لن يطول. تابع عناصر البحث الجنائية خطة البحث المحكمة التي أعدها العميد هاني شعراوي وأشرف على تنفيذها العقيد محمد ربيع.
بالفحص واستخدام التقنيات الحديثة وتنشيط مصادر المعلومات السرية تقلص الاشتباه في رجل خمسيني يقطن بنفس العقار خاصة مع وجود ريبة في حركة دخوله وخروجه من العقار كما لو أنها "زيادة عن اللازم".
مناقشة زوجته كانت الفيصل، ونطق لسانها بالقول الفصل "قالي أي حد يسألك كنت فين تقولي ماكنتش موجود في العمارة" الرواية التي تعارضت مع خط سيره لتتجه إليه أصابع الاتهام وأضحى معها المشتبه به الرئيس.
مع اكتمال الصورة وضع ضباط المباحث ملف التحريات أمام متخذ القرار ليوجه بسرعة ضبط المشتبه به ومواجهته بالأدلة ونتائج البحث. حاول المتهم ذا الـ53 سنة مراوغة رجال التحقيق بإبعاد الشهة عنه وإثبات عدم تواجده بالعقار حينها لكن حديث زوجته أنهى تلك المسرحية الهزلية ليفقد اتزانه وينطق لسانه بالحق "هقول كل حاجة يا باشا".
الضحية دمثة الخلق كانت محل حب واحترام جيرانها بما فيهم قاتلها. اعتادت الثلاثينية معاملته كأخ أكبر يمنحها النصيحة وقبلها الأمان لكن شيطان قابع داخل عقله وبين ضلوعه سول له إتيانها رغمًا عنها.
يوم الجريمة، طرق المتهم باب جارته وبادلها الحديث قبل أن يشرع في تنفيذ مخططه المفعم بغريزة شهوانية وراودها عن نفسها لكنها رفضت وهددته بإخبار زوجها فما كان منه إلا قتلها بضربة قوية على رأسها ثم قيدها ليبدو الأمر وأنها جريمة سرقة إلا أن حنكة رجال المباحث منحته أصفادا حديدية قُيدت معها حريته.