محرر الأقباط متحدون
استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم السبت في الفاتيكان المشاركين في مؤتمر نظمته في روما مجلة "شيفيلتا كاتوليكا" بالتعاون مع جامعة جورجتاون بالولايات المتحدة الأمريكية. يشهد المؤتمر مشاركة عدد كبير من الشعراء والأدباء وكتاب السيناريو والمخرجين من مختلف أنحاء العالم يتناقشون في قضايا تتعلق بالخيال الشعري والإلهام الكاثوليكي.
استهل البابا خطابه مرحباً بالحاضرين وخص بالذكر مدير المجلة الأب أنتونيو سبادارو ورئيس جامعة جورجتاون البروفيسور جون دي جويا. ولفت فرنسيس إلى أنه أحب الكثير من الشعراء في حياته شأن دانتيه، ودوستويفسكي وغيرهما، مضيفا أن كلمات الكتّاب ساعدته على فهم ذاته والعالم والشعب، وعلى التعمق في القلب البشري وفي حياته الإيمانية الخاصة، وفي واجبه الرعوي وخدمته الحالية.
وتوجه الحبر الأعظم إلى الحاضرين قائلا إنهم عيون تنظر وتحلم، وأكد أن البشر يطمحون إلى عالم جديد قد لا يرونه بأعينهم، ومع ذلك إنهم يتوقون إليه ويحلمون به. وأضاف أن الفنان هو إنسان ينظر ويحلم، ويرى في العمق ويعلن عن طريقة مختلفة لرؤية الأمور وفهمها. فالشعر لا يتحدث عن الواقع انطلاقاً من مبادئ مجردة، لكن من خلال الإصغاء إلى هذا الواقع: العمل، الحب، الموت وكل الأمور الصغيرة والكبيرة التي تملأ حياتنا. والفن هو ترياق ضد ذهنية الحسابات والتجانس، وهو أيضا تحدّ أمام مخيلتنا وطريقتنا في رؤية الأمور وفهمها. والكنيسة اليوم تحتاج إلى هذه العبقرية.
بعدها أكد البابا أن الشعراء والأدباء وكتاب السيناريو والمخرجين هم أيضا صوت يعبر عن المخاوف البشرية، لأن الفن يعبر عن الأمور الجميلة في الحياة وعن القضايا المأساوية أيضا. والفن هو الفسحة التي تُظهر تناقضات الواقع، وهذا ما يتطلب لغة إبداعية قادرة على إيصال رسائل ورؤى قوية. ولفت فرنسيس إلى أن دوستويفسكي على سبيل المثال يقدم من خلال روايته "الأخوة كارامازوف" صورة فنية وسياسية، يتحدث عن واقع الأمس واليوم، عن الحروب وعن الصراعات الاجتماعية وعن أنانياتنا الفردية.
وقال البابا إنه يتحدث أيضا عن التوترات التي تعيشها النفس البشرية وعن تعقيد عملية اتخاذ القرارات والتناقضات الوجودية. وأضاف أنه توجد أمور في الحياة يصعب فهمها أو تفسيرها، معتبراً أن هذه القضايا تشكل تربة خصبة لنشاط ضيوفه. وهي أيضا الفسحة التي يمكن أن يختبر فيها الإنسان الله. هذا ثم طلب البابا من الحاضرين أن يتخطوا الأطر المحدودة، أن يكونوا مبدعين، وأن يبقوا أمام أعينهم مخاوفهم ومخاوف البشرية كلها. وهذا العمل يسمح للروح القدس بالتدخل، وبخلق تناغم وسط التوترات وتناقضات الحياة البشرية، وبالإسهام في نمو الجمال بكل أشكاله، هذا الجمال الذي يُعبر عنه من خلال غنى الفنون.
مضى البابا إلى القول إن المشاركين في المؤتمر يعملون على إعطاء حياة وشكل وكلمة لكل ما يعيشه الإنسان، ما يشعر به، ما يحلم به وما يعاني منه، خالقين التناغم والجمال. وهذا العمل يساهم في جعل الناس يفهمون الله بشكل أفضل، كشاعر البشرية الكبير. وبالإضافة إلى أهمية أن يكون للشعراء والأدباء وكتاب السيناريو والمخرجين عيون تحلم، وصوت يعبر عن مخاوف البشرية، فهم من بين الأشخاص الذين يقومون بصقل مخيلة الناس. فالعمل الذي يقومون به ينعكس على المخيلة الروحية للأشخاص في زماننا الراهن، خصوصا فيما يتعلق بصورة المسيح.
وعاد البابا ليؤكد أن هذا الزمن يحتاج إلى الإبداع، إلى لغة جديدة وصور قوية، إلى كتاب وفنانين قادرين على أن يطلقوا صرخة إنجيلية، كي يرى العالم يسوع. وقال: إن نشاطكم يساعدنا على رؤية يسوع، وعلى مداواة مخيلتنا وتنقيتها من كل ما يحجب وجهه ويضعه في أطرنا المحدودة، فالمسيح هو دائماً أكبر منا، إنه سرّ لا نفهمه ومن الصعب أن يوضع ضمن إطار ويُعلق على الجدار.
في هذا السياق أشار البابا إلى أن ضيوفه مدعوون اليوم إلى مساعدة الأشخاص على الشعور بقرب المسيح منهم، وإلى تقديمه لهم كواقع حي كي يشعروا بجمال وعوده لأن هذه الوعود تساعدنا على أن نتخيّل بطريقة جديدة حياتنا والتاريخ ومستقبل البشرية. في ختام كلمته وجه البابا لضيوفه كلمة شكر على النشاط الذي يقومون به، وطلب منهم أن يستمروا في أحلامهم وأن يعبروا عن مخاوفهم، وأن يتخيلوا كلمات ورؤىً تساعدنا على قراءة سر الحياة البشرية وتوجه مجتمعاتنا نحو الجمال والأخوة الكونية. وحثهم على السير إلى الأمام بلا خوف بإبداع وشجاعة. هذا ثم منح الجميع بركاته الرسولية طالباً منهم أن يصلوا من أجله.