محرر الاقباط متحدون
الحقيقة التاريخية إن زى النهارده في يوم 31 مايو عام 1934، كانت بداية الإذاعة المصرية ، وأصبح هذا اليوم عيداً للإذاعة والإعلاميين في مصر..
لكن الكثير لا يعرف أن مصر عرفت الراديو والإذاعة قبل 10 سنوات من هذا التاريخ، من خلال مهندس مصري مسيحي اسمه "حبشي جرجس"، كان يدرس في بريطانيا الهندسة اللاسكلية، وعندما عاد إلى مصر كان شغفه شديد بفكرة تأسيس محطة إذاعة، خاصة إن أمريكا قدرت تطلق أول محطة إذاعية KDKA عام 1920.
المهندس الشاب بدأ تجميع الأجهزة، وتوجه إلى وكالة البلح، واشترى وحدات اتصال لا سلكية من مخلفات الحرب العالمية الأولي وبدأ يجمع أول نواة لمحطته الإذاعية بين عامي 1924 و 1925، وبالفعل انطلقت الإذاعة، وكانت تقدم الأغاني، من خلال أجهزة راديو يتم توفيرها للمشترك، نظير اشتراك شهري نصف ريال، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت، وقد نجحت المحطة في فترة لاحقة على تحقيق أرباح وصلت إلى 300 جنيه شهرياً، وهو مبلغ ضخم جداً.
ذاع صيت حبشي جرجس وإذاعته لدرجة أن الأعيان من أسيوط حتى الإسكندرية كانوا يستمعون إليها، وسرعان ما تم استنساخ التجربة، لتصبح الإذاعات الأهلية "موضة" أواخر العشرينات، وكانت أشبه بـ "أغاني المهرجانات"، وانتشرت جداً، حتى صار كل من لديه شقة في وسط البلد يمتلك إذاعة.
طبعاً الحكومة طيلة 10 سنوات من عمر الإذاعة كانت غائبة تماماً عن المشهد، لكن بمجرد ما بدأ البعض يستخدم هذه الإذاعات بصورة مشبوهة، سواء في ارتكاب الجرائم أو العمل لصالح أطراف سياسية أو موالاة جهات وأنظمة، قررت وأد هذه التجربة إلى الأبد، وعهدت إلى شركة ماركوني بحق امتياز إنشاء الإذاعة المصرية،وأعلنت انطلاقها رسمياً في 31 مايو 1934، وكان كل الفنيين والموظفين أجانب ماعدا المهندس "حبشي جرجس"، الذي تم تعيينه موظفاً في الإذاعة، لكنه تحت ضعط الروتين والمعاملة التي لم ترضيه ترك العمل، واستقر به الحال لتأسيس محل لبيع أجهزة الراديو !
قصة حبشي جرجس ملهمة جداً، أتمنى لو كتب الرجل مذكراته، أو يدلنا أحد المفكرين والمؤرخين عن حياته وأسرته، فهذه قصة مهمة جداً، يجب أن نتذكرها في عيد الإذاعة المصرية...
كل الرحمة والمغفرة لأستاذ الأجيال الدكتور عاطف العبد، الذي تعلمنا منه هذه الحكاية الشيقة في السنة الأولى، كلية الإعلام جامعة القاهرة.
محمد طنطاوى