عاطف بشاى
فى إطار الاحتفال بمرور ستين عامًا على انطلاق المسيرة الفنية للنجم، الأيقونة الأسطورية، أمير الضحك الفنان الكبير «عادل إمام» (17 مايو 1940) يصدر كتاب فريد عن رحلته المحتشدة بـ(160 فيلمًا- 16 مسلسلًا- 11 مسرحية)، حقق من خلالها أعلى الإيرادات فى تاريخ السينما والمسرح، وأصبح بموجبها رمزًا فنيًّا لا يُبارَى فى تاريخ مصر الحديثة.. والكتاب يسطره بقلمه الرشيق، ورصده الأنيق، وتوثيقه الدقيق، مؤلفه الكاتب الصحفى العتيد، الصديق، «أيمن الحكيم»، بأسلوبه الذى يسبر من خلاله أغوار تلك الشخصية الاستثنائية، ويلقى الضوء على إنجازاتها البديعة وسلوكها الإنسانى النبيل.. وتأثيرها الفنى غير المحدود فى نفوس النظارة على مدى سنوات الإبداع الطويلة منذ الستينيات حتى اليوم ومعاركه السياسية والفنية الضارية وتجاوزه أنواء صعبة وتحديات مدهشة احتضن فيها زعيم المقهورين والمهمشين وأبناء الفقر أحزان ومعاناة وسخريات الباحثين عن سكن آدمى يؤويهم ولقمة كريمة يلتقطونها عنوة من زمن ضنين، وكان قادرًا على انتزاع ضحكاتهم من رحم تلك الأيام الصعبة، فهو تاجر سعادة.. بارع فى صياغة الضحك فى مدائن البكاء، وموهوب فى مزج المرح الخلاب بخبزهم اليومى المبلل بالخوف والدموع، فيحملونه على الأعناق ويحمونه فى حدقات العيون ويبايعونه ملكًا متوجًا على عرش الفكاهة فى عصر القنوط والكآبة.. لكن الظلاميين بعيونهم الزجاجية، وجلودهم ميتة الإحساس، وأرواحهم البغيضة الكارهة للفن والحياة، أعلنوا الحرب المقدسة لوأد حرية الإبداع وتكريس قيم الأخلاق الحميدة وشيوع الفضيلة فى ربوع «يوتوبيا» الأرض الطيبة بتطهير الدراما المصرية من الدنس والفاحشة والكوميديا والسخرية، فزعموا أن «بابا نويل» البسطاء، الذى يحمل هداياه من شرائط دعابات ملونة وألعاب بهجة ساخرة.. هو «أبولهب» شرير، يزدرى الدين الحنيف.. بينما هو فى الحقيقة يزدريهم هم ويزدرى فقه المصادرة والتحريم وفرض الوصاية والجهامة، وينزع أقنعة التقوى الزائفة من وجوههم، التى تحصر جوهر الدين فى قشور الزى والمظهر والطقوس.
حينما أعرب «عادل إمام» عن سعادته بحكم البراءة، الذى صدر من محكمة الاستئناف، فى الدعوى التى أقامها ضده محامٍ سلفى يتهمه فيها بازدراء الأديان، هاتفته مهنئًا، فقال لى إن الفرح بالتهنئة لا يخص شخصى، فالبراءة فى حقيقتها هى براءة الإبداع والفن المصرى، الذى يحاول البعض النَّيْل منه... ثم أردف أن سعادته تنطوى على حزن دفين، وعبر عن دهشته الممرورة المتسائلة.. كيف تقضى عمرك لتصنع بهجة للناس وتشيع حبورًا بينهم، فتجد منهم مَن يسعى لسجنك؟!.. ثم أى ردة حضارية تلك التى تريد أن ترفع الرايات السوداء لتعلن هزيمة الإبداع لتعود بنا إلى القرن الثالث عشر لنبحر فى غياهب الجهامة والدمامة والتخلف والظلمات؟!.
إن صيحة ازدراء الأديان المخيفة التى انطلقت فى ذلك المناخ المسموم حوكم بموجبها «عادل إمام» ثلاث مرات.. المستوى الأول فى الدعوى التى رفعها ضده المحامى المكفراتى.. المرة الثانية حينما عاود نفس المحامى رفع دعوى ضد «عادل إمام» ومخرجين ومؤلفين لأفلامه السينمائية، هم «وحيد حامد» و«لينين الرملى» و«شريف عرفة» و«محمد فاضل» و«نادر جلال»، اتهمهم فيها بالإساءة إلى الإسلام.. وقضت محكمة الجنح بعدم قبول الدعوى.. وفى الحقيقة أن الحكم الذى أكد فى حيثياته أن حرية الرأى والتعبير من أهم مقومات النظم الديمقراطية هو حكم تاريخى يُذكِّرنا بالحكم فى كتاب «فى الشعر الجاهلى» للدكتور «طه حسين».. وفى قضية الفنانين، أكدت المحكمة أن توجيه الانتقادات إلى أى تيار فكرى غير مجرم.. إنما هناك بعض المتشددين، الذين يصرون على تنصيب أنفسهم أوصياء وحراسًا ومدافعين عن العقيدة ضد الأخطار، لكن حتى لو افترضنا جدلًا أن تلك الأعمال الفنية تتناقض مع فهمهم للعقيدة.. فهل معنى ذلك أن يُختزل الدين فى فهمهم وتأويلهم؟!.. ولماذا صوروا ما جاء فى تلك الأعمال الفنية على أنه خطر على العقيدة، وهو فى الحقيقة خطر على فهمهم وتأويلهم.. لأن العقيدة فى نفوس المصريين كشعب متدين أقوى من أن يهدها عمل فنى.. لكن ضعف موقفهم المستند إلى الظلام والجهل هو الذى صور لهم ذلك.. كما أنه يجب التفرقة بين الدين والفكر الدينى من جهة.. وبين ما هو مقدس وما هو غير مقدس.. وعن الادعاء أن تلك الأعمال الفنية بها تحقير للمسلمين عمومًا والجماعات والهيئة التى يرتديها رجال الدين التى ظهر بها الملتحون.. والمنتقبات فى فيلم «مرجان أحمد مرجان» وكذلك فيلم «الإرهابى»، فقد أكدت المحكمة أن هذا من أمور السياسة، ولا حصانة لها من النقد.. والنقد هنا للجماعات المتطرفة وليس للنقاب أو اللحية.. وهو من منطلق الانتقاد الاجتماعى ومعالجة القضية التى تناولتها أعمال فنية كثيرة.. كما أن الأعمال الفنية هى نتاج خيال مبدع.. ولا عقاب على خيال.
صدق المخرج الكبير الراحل «صلاح أبوسيف» حينما قال إن قيمة عادل إمام لا تقتصر على الفن فقط.. بل اعتبره قيمة سياسية مؤثرة.. فمَن ينسى دوره الكبير فى التصدى لموجة الإرهاب؟.
نقلا عن المصرى اليوم