د مصطفى راشد عالم أزهرى وأستاذ للقانون

 مصر أول سطر مسجل فى التاريخ البشرى لذا يدرس العالم تاريخ مصر الفرعونى بانبهار فى حين توقف تدرس هذا التاريخ الاعجازى المعجز المشرف فى المدارس المصرية منذ انقلاب الضباط الأحرار الإخوان عام 1952 ،، وتاريخ 52 أصبح علامة فارقة فى وضع مصر الاقتصادى والسياسى والثقافى والاجتماعى والأخلاقى والعلمى والدينى، وسنوضح وضع مصر قبل وبعد 1952 فى كلا من هذه المجالات منذ وصول الضباط الأحرار للحكم, رغم أننى مع النظام الجمهورى اذا كان على شاكلة البلاد العلمانية الديمقراطية الغربية ، وأول هذه المجالات هو المجال الاقتصادى :- حيث كانت مصر قبل عام 1952 تملك أكبر احتياطى دهب فى العالم ,وكان الجنيه المصرى يساوى 5 دولار, وكانت الكثير من البلاد مثل امريكا وانجلترا تطلب سلف مالية وإعانات من مصر، وكانت مصر ترسل المعونات للسعودية واليمن ودول الخليج، وخير شاهد انشاء دار التكية المصرية بالسعودية لأطعام فقراء السعودية والذى أغلق فى 1960، وكسوة الكعبة التى كانت ترسل من مصر هدية للسعودية وغيرها ،كما أن المصرى كان يسافر لغالبية الدول بدون تأشيرة دخول ، وكان الأوربيون يأتون للعمل بمصر، والكثير منهم كان يأتى بطريق الهجرة غير الشرعية .

ثانيا الجانب السياسى :- كانت مصر قبل انقلاب الضباط الأحرار ، دولة ديمقراطية لديها دستور محترم ونظام تعدد حزبى صحيح،، هذا التعدد الذى ألغاه عبد الناصر ، حتى أعاده السادات فى أخر أيامه بقيود تجعله ديكور شكلى، كما ان مصر كان لديها أخر انتخابات ديمقراطية عرفتها مصر ،وكان ذلك قبل عام 52، كما ان مصر قبل 52 كان لديها حياة برلمانية حقيقية ،وبعد 52 أكتشفنا أننا تخلصنا من ملك وأتينا بألاف الملوك فكان كل وزير وكل محافظ وكل لواء وكل مدير عام أو رئيس شركة ملك فى مكانه فلم يكن عبدالناصر ملك وحده، بل كل واحد من مجلس قيادة الثورة كان يفعل مايحلو له ،وأضاع عبد الناصر السودان وغزة وسيناء من سلطة مصر ،وخسر كل الحروب التى دخلها، وأضاع أموال مصر فى حرب اليمن وثورة الجزائر وصنع عداوة مع دول العالم بلا داعى ،حتى اقرب الناس السوريون اكتشفوا ديكتاتورية عبد الناصر فسرعان ماانفصلوا عن الوحدة مع مصر
 
ثالثا الجانب الثقافى :- فقد كانت مصر قبل 52 قبلة ووجهة للثقافة والمثقفين من العالم العربى والأوربى، فهو العصر الذى تعلم فيه وأنتج لنا كبار مثقفى الوطن أمثال طه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ومصطفى عبد الرازق ويوسف ادريس والعقاد واحمد لطفى السيد ومصطفى مشرفة وعبد الرزاق السنهورى ومصطفى وعلى امين وعبد الرحمان الشرقاوى ورجاء النقاش وزكى نجيب محمود ولويس عوض وعلى الجارم ومصطفى صادق الرافعى وصلاح عبد الصبور ويوسف السباعى ومحمود أمين العالم ونجيب سرور ولطفى الخولى ونوال السعداوى وغيرهم
 
رابعا الجانب الاجتماعى :- فقد كانت مصر قبل 52 تملك نظام يحترم الكفاءة، لذا رأينا أولاد الفقراء البوسطجى وحاجب محكمة وعسكرى ومزارعا يدخلون الكلية الحربية وهم محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسنى مبارك ،وكان الحق فى العمل والملكية بلا افق، حتى قام عبد الناصر بتأميم رؤوس الأموال وغالبيتها وطنى لصالح خزانة الدولة ،لكن هذه الأموال أخطأت خزانة الدولة وذهبت لخزانة أعضاء مجلس قيادة الثورة والمسئولين الكبار ،كما قام عبد الناصر بتحديد سقف الملكية الخاصة فهرب العديد من رؤوس الأموال للخارج، كما هربت رؤس الأموال اليهودية المصرية الوطنية بسبب تخوين عبد الناصر لهم بسبب ديانتهم
 
خامسا الجانب الأخلاقى :- توفى والدى عن 98 عاما والذى حضر عصر فاروق ومحمد نجيب وعبد الناصر والسادات ومبارك وقد حكى لى والدى رحمة الله علية رصده للانحدار الأخلاقى بعد عام 52 حتى وفاته أواخر ايام مبارك وكيف كان يتذكر كيفية تعامل الناس الاخلاقى أيام فاروق حيث كان المسلم يعيش مع المسيحى واليهودى ويجمعهم الجيرة والشركات بكل حب وأخوة ولم يعرفوا الفتنة الطائفية إلا بعد وصول الضباط الأحرار وكان جميعهم من الإخوان ماعدا خالد محى الدين ويوسف الصديق وهما من تم اقصائهم من مجلس قيادة الثورة فيما بعد ،،كما ان السيدات كن يلبسن احدث الموديلات على الموضة ولم يكن يعرفن الحجاب والعباية ومع ذلك لا يوجد تحرش كما هو الحال الأن وكانت اقصى المعاكسة صباح الخير ياهانم
 
سادسا الجانب العلمى :- أول من وضع نظام التعليم المجانى هو طه حسين أيام الملك فاروق فقد تعلم الفقراء مجانا ايام فاروق أمثال والدى محمد راشد ومحمد نجيب وعبد الناصر والسادات وحسنى مبارك وكانت المدارس على الطراز الانجليزى فى قصور قمة فى النظافة والشياكة، والصور والارشيف مليئ بألاف الصور التى تجعلنا نحزن على ماوصلنا إليه، وتعليم فاروق ظل متماسكا حتى الستينات، رغم عدم وجود فاروق بفضل ماورثه المعلمين والمثقفين مثل السابق أسمائهم ،وانتج لنا ايضا العلماء الكبار مثل مصطفى مشرفة وسميرة موسى واحمد زويل وغيرهم
 
سابعا المجال الدينى :- فقد كانت مصر قبل 52 خليط من الاديان والمعتقدات والجنسيات المسلم والمسيحى واليهودى والبهائى والأرمنيين والملحدين وغيرهم ولا فرق بين مصرى ومصرى إلا بالكفاءة فكان لدينا الوزير المسلم والوزير اليهودى والوزير المسيحى والبهائى ولم تعرف مصر التطرف وفرض الحجاب إلا بداية السبعينات، فلو شاهدت أغانى أم كلثوم لن تجد محجبة واحدة فى القاعة ، فقد نزل وحى فرض الحجاب الكاذب مع وصول السادات الإخوانى للسلطة، كما أن اختيار المسئول للسلطة كان قبل 52 مبنى على الكفاءة ،لكن بعد 52 استمر الإختيار للمعارف والأكثر نفاقا حتى لو كان جاهلا وما أكثرهم ،وايضا بدأ عام 1961اطلاق يد الأزهر على المجتمع حين أصدر عبد الناصر قانون الأزهر الذى جعله هيئة معنوية مستقلة ووصفها بالهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التى تقوم على حفظ التراث الإسلامى ودراسته ومن يومها أصبح الأزهر مكان للحفظ وليس البحث والنقد والفهم ، كما نادى عبد الناصر بالقومية العربية بوازع دينى وغرض الزعامة وليس بوازع وطنى لذا فشلت دعوته ،، لذا لكل ماتقدم أحلم أنا والكثير من أمثالى بأن تعود مصر للحياة مثلما كانت قبل 75عاما .