الأب رفيق جريش
أبلغ من العمر سنًا متقدمًة بعض الشىء ورغم مرور 56 عامًا على اليوم الأسود المشؤوم إلا أننى لم أستطع إلى اليوم أن أنساه، ولذا يمر ثقيلًا وأسترجع فيه الذكريات الأليمة التى مرت على هذا الوطن وربما أشارككم بعض التنفيس عن الذات، لعل أجد فيه نوعًا من الشفاء.
كنت جارًا لهيئة الاستعلامات فى شارع طلعت حرب ومنذ الصباح الباكر لهذا اليوم يعلن مذيع الإذاعة المصرية بصوته الجهورى بيانات كاذبة ومضللة، وذكر أرقامًا غير حقيقية عن طائرات العدو الإسرائيلى التى أصبناها وكانت الأعداد مبالغا فيها بل متضخمة، كذلك الدبابات والمركبات.
بينما الحقيقة كانت عكس ذلك تمامًا فقد ضربت طائراتنا وهى على الأرض، وصدر الأمر الكارثى لجيشنا بالانسحاب من سيناء وكان نتيجته انسحابا عشوائيا غير منظم أدى لموت أو إصابة أو أسر كثيرين من شباب جنودنا وتشريد سكان مدن القناة وغيرها من المآسى، وعندما نرى هذه المشاهد التى أصبحت متداولة بعد ذلك لوضعنا المهين نشعر بالخجل والهوان.
أولى خطايا الدولة فى ذلك الوقت هى تزييف الحقائق للشعب الذى كان أعطى تفويضًا على بياض للقيادة العسكرية والسياسية فى ذلك الوقت بعد أن حشو فى رؤوسنا فى المدارس وأجهزه الإعلام شعارات لا أول لها ولا آخر عن قوتنا وقوة جيشنا وعن ذكائنا وعن القومية والوحدة العربية وما إلى ذلك. كل الشعارات التى أثبتت فيما بعد فشلها لأنها كانت شعارات فقط خاوية من أى حقيقة على أرض الواقع ومن ثم بريقها المعنوى والعاطفى.
لكن بعد وقت قصير جيشنا فى حرب الاستنزاف أظهر شجاعة وتماسكا والذى أدى، بفضل القادة الشرفاء والدارسين والمحترفين على أعلى مستوى، لنصر أكتوبر ليمحو دموع عيوننا جراء الخامس من یونیو 67.
أعرف أن كثيرين من الأصدقاء عشاق الفترة الناصرية لن يعجبهم هذا الكلام وسيجدون مئات من المبررات لتبييض وجه هذه الفترة، ولكن لكى نكون أمناء الفترة الناصرية لها ما لها ولا ننكره ولكن عليها ما عليها ولا يجب أن ننكره أيضًا، وفى حوار حر وديمقراطى نستطيع أن نتجادل فى ذلك ولكن «هزيمة جيش مصر» فى ٥ يونيو ١٩٦٧ خطيئة كبرى توصم بها كل قيادات ذلك الوقت.
لقد قرأت كتبًا وتحاليل كثيرة عن الخامس من يونيو ١٩٦٧. ولكن أزعم أن كثيرا من الخبايا والأسرار عن ما سمى بالنكسة لم تؤرخ بعد بأسلوب منهجى تجعلنا نفهم ونتعلم ماذا جرى.
نشكر الله أن هذه الفترة السوداء ذهبت وإن لم ننس واليوم نفتخر بقادتنا العسكريين وقيادات الدولة لما نشاهده من التحديث المستمر والتدريب الدؤوب لجيشنا الذى مهمته الأولى حماية أرض مصر العزيزة.
نقلا عن المصرى اليوم