ياسر أيوب
منذ قرأت عنها لأول مرة وأعدت قراءة وتأمل تفاصيلها كثيرًا، لم أرها فى أى وقت مجرد حكاية كروية إنجليزية قديمة غريبة أو كوميدية، إنما رأيتها تختصر قواعد وفلسفة وروح كرة القدم فى أى عصر وفى أى مكان أيضا.

ففى مدينة أشبورن فى منطقة ديربى شاير فى إنجلترا، اعتاد الناس منذ 1667 إقامة مباراة سنوية يشارك فيها أهل المدينة بعد تقسيمهم لفريقين حسب نهر هينمور بروك الذى يمر فى قلب المدينة؛ فريق لمن يقيمون شمال النهر، والفريق الآخر لأهل الجنوب.

ويمتد الملعب بين مرمى فريق الشمال ومرمى فريق الجنوب لمسافة تقترب من خمسة كيلومترات، وليس هناك حد أقصى للاعبى كل فريق، والذى كان يقترب أحيانا من ألف لاعب لكل فريق.

وتقام المباراة على يومين، فتبدأ فى الثانية ظهرا حتى الحادية عشرة مساء، وبنفس المواعيد يتم استكمالها فى اليوم الثانى.. وكانت الكرة المستخدمة أكبر قليلا من كرة القدم العادية ومحشوة بالفلين حتى تطفو فوق سطح الماء حين تسقط فى النهر.

وكانت الممنوعات فى هذه المباراة قليلة للغاية، ومنها: (قتل لاعب فى الفريق المنافس، أو لعب الكرة داخل الكنائس والمقابر، وعدم التعدى على حرمة البيوت والممتلكات الخاصة).

وكان مسموحا حمل الكرة باليد لكن كان من الممنوعات استخدام الخيول أو فيما بعد الدراجات للجرى بالكرة. وبقيت هذه المباراة تقام سنويا باسم «بطولة أشبورن»، وتغير اسمها منذ 1928 لتصبح «بطولة أشبورن الملكية».

وفى 2003، أقيمت هذه المباراة بشكل استثنائى، وكان تشارلز الأمير وقتها والملك حاليا هو الذى ألقى الكرة فى وسط الملعب أو وسط المدينة لتبدأ المباراة، حيث كان من التقليد أن يبدأ المباراة فى كل سنة منذ 1667 شخصية مهمة يحترمها الجميع.

وبقى تاريخ هذه المباراة حافلا بالحكايات والغرائب والكوميديا والجروح.. لكن الأهم من ذلك كله هو أن مَن يتأمل بهدوء تلك الوقائع والحكايات، سيدرك أن أى مباراة كروية تقام الآن فى العالم هى صورة مكررة لمباراة أشبورن.

فليس صحيحًا أن المباريات فقط بين 11 لاعبا لفريق أمام 11 لاعبا للفريق الآخر، إنما هى تمامًا مثل مباريات أشبورن، يشارك فيها كثيرون جدًا حتى إن لم يلمسوا الكرة داخل الملعب.

والمئات الذين كان يضمهم سواء فريق الشمال أو الجنوب فى أشبورن لم يكونوا كلهم بالتأكيد يلمسون الكرة، إنما كان بينهم مَن يتولى تشجيع من يلعبون والدفاع عنهم وحمايتهم من اعتداء المنافسين، ومَن ينشغل بتعطيل لاعبى الفريق المنافس بأى وسيلة حتى يتفوق لاعبو فريقه.

ومَن يستغل ما يجرى لمكاسب خاصة ومصالح شخصية أو مجرد الاستمتاع بالصخب والصراخ والفوضى.. ويعنى كل ذلك أن مباريات أشبورن لم تكن مجرد استثناء تاريخى أو حدوتة قديمة مسلية، إنما كانت ولا تزال هى القانون الحقيقى لكرة القدم، وتفسيرًا صحيحًا أيضا للتشجيع الكروى، حيث يصبح المشجعون جزءًا من الفريق نفسه، وليسوا أقل أهمية أو ضرورة من لاعبى الفريق.
نقلا عن المصرى اليوم