محمود العلايلى
يعد الدين من المقومات الاجتماعية المهمة في العديد من المجتمعات، بينما يعتبر جزءًا مهمًّا من الثقافة المكونة لمجتمعات أخرى حتى مع غياب سلطة المؤسسة الدينية وتأثيرها المباشر، وعلى سبيل الأمثلة من الطرح الأول، نجد دول أمريكا اللاتينية الكاثوليكية مع المكسيك وقطاع كبير من المجتمع الأمريكى البروتستانتى، بالإضافة إلى أجزاء من جنوب أوروبا الكاثوليكى مثل إيطاليا وإسبانيا.
كما ينضم لهذه الدول أغلب دول أوروبا الشرقية سواء الأرثوذكسية أو الكاثوليكية منها، وفى نفس سياق تأثير المؤسسة الدينية ورجال الدين لا يمكننا أن نفصل دول الشرق الأوسط التي تدين بالإسلام إن كانوا سنة أو شيعة، إضافة للدول الإسلامية الأخرى مثل باكستان وأفغانستان وإندونيسيا وماليزيا وبنجلاديش ونيجيريا، وبالطبع لا يفوتنا أن نذكر إسرائيل كإحدى أهم الدول التي تؤثر المؤسسة الدينية في مجريات السياسة والحياة الاجتماعية بها.
أما الدول التي نجد الدين مكونًا من سبيكتها الثقافية وإن كانت قد تخطت كل آليات التأثير المباشر للمؤسسة الدينية ورجالها وحتى مع وجود نصوص تاريخية في دساتيرها تحدد الدين الرسمى للدولة وحاكمها، إلا أن ذلك كله لا يتخطى أنه من المكونات الثقافية للمجتمع، وهى على سبيل المثال، دول شمال أوروبا واسكندنافيا.
والحقيقة أن هذه التأثيرات توجه نوعية التصرفات الشخصية للأفراد وتفاعلاتهم الاجتماعية على خلفية تلك المرجعية الدينية، كما تحدد أيضًا شكل العلاقات الشخصية بحكم القوانين المنظمة، بينما نجد أن المسألة الدينية لها وجهان، الوجه الأول منها هو العلاقة المباشرة بين الفرد وربه وهى مسألة لا يمكن لأحد الحكم عليها من حيث إيمان ذلك الفرد بقوة خالقه وقدرته على تسيير حياته.
وبالطبع لا يمكن لأحد أن يحكم على رضا الخالق عن هذا الفرد وعن تصرفاته الظاهرة أو أفكاره الباطنة، والوجه الآخر يتعلق بالمظاهر الاجتماعية الدالة على هذه العلاقة مثل الذهاب إلى الكنيسة أو المسجد، بالإضافة إلى الالتزام بالمظهر الدينى المألوف، والقيام بالأعمال التي يحض عليها الدين مثل زيارة الأماكن المقدسة ودفع الزكاة من أجل الفقراء، والاشتراك في الأنشطة الاجتماعية الدينية مثل تعلم قواعد الدين ودراسة الكتب المقدسة، والتعاون في مجالات مساعدة الأيتام والعجائز وذوى الحاجات، إضافة إلى الأنشطة التنظيمية الخالصة في أنشطة الدعوة أو التبشير.
والحقيقة أن التوافق في العلاقة المباشرة بين الإنسان والخالق وبين مظاهر التدين في المجال الاجتماعى هو ما يجعل للثانية قيمة حقيقية، لأن الأولى لا يطلع عليها أحد، أما الثانية فإن ممارستها دون جوهر حقيقى يجعلها لا تخرج عن كونها معايير للتدين الاجتماعى، وتعد حلًّا قليل الكلفة لاكتساب مركز مميز بين مجتمع المتدينين، كما أنها تؤدى إلى تكثيف المجهود المبذول في عمليات التربية والتثقيف إلى الوجهة الدينية باعتبارها قيمًا كافية على حساب تفاصيل التربية والتقويم المعاصر.، والأهم أن اشتهار الفرد في المجتمع بالممارسات الدينية تجعلها الوسيلة لاتخاذ الأعذار من بعض المسؤوليات الاجتماعية بزعم الوفاء بالواجبات الدينية، وانتظار الإطراء على ذلك في حالة النجاح الاجتماعى، أو إخلاء الطرف والمسؤولية في حالة الإخفاق، والزعم بالاستناد إلى مرجعية عمل كل ما في الإمكان وأكثر، والاستشهاد بتشغيل الآيات والتزين بالأيقونات، ورفع صوت الأذان على أجهزة التليفون المحمول، والصلاة في أماكن بارزة كمن يُشهد الآخرين على صلاحه.
إن كان البعض يعتقد أن اعتبار الدين ضابطًا اجتماعيًّا رادعًا ضد السرقة والكذب والزنا وله أهمية كبيرة لدى المجتمعات المؤمنة بتلك المرجعية، فإن هذه المجتمعات قد تتأثر بشكل سلبى بالاكتفاء بالمظاهر الشكلية للدين باعتبارها صكًّا اجتماعيًّا للتطهر على جانب، وإبراء ذمة من أي مسؤوليات اجتماعية أو تربوية بزعم القيام بما أملته التعليمات الدينية من واجبات وما فرضته الشرائع الدينية من عبادات.
نقلا عن المصرى اليوم