محمد سالم آل علي
جميعنا يعلم أن الجريمة تمثل تحدياً مستمراً تواجهه المجتمعات في شتى دول العالم، فالسباق هنا محموم ولا هوادة فيه، وهو قائم ما بين العصابات والمجرمين وأساليبهم المتجددة، وما بين الجهات المختصة التي تسعى باستمرار إلى إيجاد طرق مبتكرة لمكافحتهم والقضاء عليهم. ومما يثلج الصدر في هذا السياق هو النهوض المتسارع للذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة، بما في ذلك تقنياته المتقدمة التي بدأت فعلاً بتغيير قواعد اللعبة ومدّ يد العون لتلك الجهات في سبيل جعل عالم المستقبل عالماً آمناً ومطمئناً.
وللأمانة أقول إن الذكاء الاصطناعي بدأ يقدم في يومنا هذا أدوات فعالة تستفيد منها أقسام الشرطة والأجهزة الأمنية في حربها الضروس على الجريمة، فمن خلال قدرته الفائقة على معالجة وتحليل مجموعة كبيرة من البيانات يعمل الذكاء الاصطناعي على إنشاء تحليلات تنبئية ذات بُعد استراتيجي، مثل تحليل البيانات التاريخية للجرائم، وتحديد أنماطها واتجاهاتها، وبالتالي تمكين السلطات من توقع الجرائم القادمة ومنعها في مناطق وأزمنة محددة، وهذا النهج الاستباقي يساعد الأجهزة الأمنية على تخصيص الموارد بشكل مخطط وفعال، ونشر الدوريات في النقاط الساخنة التي تزداد فيها احتمالات الأنشطة الجرمية. يضاف إلى ذلك أنظمة المراقبة التي يقودها الذكاء الاصطناعي، التي تستخدم الخوارزميات الحاسوبية المتقدمة في تحليل وتحديد كل ما هو مشبوه ومثير للريبة، ما يمكّن الجهات المختصة من اكتشاف العمل الإجرامي عند حدوثه والاستجابة له بسرعة فائقة.
علاوة على ذلك تعمل تقنية التعرف على الوجوه المدعومة بالذكاء الاصطناعي على تحديد أماكن الأشخاص المطلوبين وبالتالي القبض عليهم قبل أن يدركوا أي شيء. وعلى سبيل المثال، ففي نطاق المعركة ضد المخدرات وغيرها من المواد غير المشروعة، نجحت أنظمة الذكاء الاصطناعي في ابتكار مجموعة من التدابير الاستباقية والأساليب الفعالة لتفكيك العديد من الشبكات الإجرامية، ولعل تلك التدابير والأساليب تأتي بمجملها من خلال عملية تحليل البيانات التي تعد إحدى نقاط القوة الأساسية للذكاء الاصطناعي، ففي حين تعمل المنظمات الإجرامية بشكل خفي تاركة وراءها شبكات معقدة وقنوات اتصال مشفرة، تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتحليل تلك البيانات الضخمة الآتية من المراقبة الآنية للمناطق عالية الخطورة، وكذلك الاتصالات عبر الإنترنت، وكذلك المعاملات المالية وأنشطة وسائل التواصل الاجتماعي، ثم تستخدمها جميعاً في سبيل تحديد الأنماط المشبوهة وتتبع الأنشطة المريبة المتعلقة بتجارة المخدرات؛ وبالطبع تقديم الأدلة والمعطيات التي تساعد على القبض على المجرمين المتورطين في تلك الأنشطة غير القانونية.
هناك جانب آخر أيضاً يتعلق بقدرة الذكاء الاصطناعي على تأمين الحدود لمنع التدفقات غير المشروعة للمخدرات، حيث يمكن للأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي أن تعزز تدابير مراقبة الحدود من خلال كشف مهربي المخدرات المحتملين، ومسح وتحليل الأمتعة وحاويات البضائع والمركبات بحثاً عن مواد مشبوهة ومخفية، ما يتيح للجهات المختصة في نهاية الأمر إمكانية اعتراض تلك السموم ووقف تدفقها عبر الحدود الدولية.
يمكن القول في الختام إن عملية إدماج الذكاء الاصطناعي في مكافحة الجريمة أظهرت نجاحاً ملحوظاً على مختلف الصعد، كما أنها بلا شك أحدثت تحولاً واسعاً في المشهد القانوني حول العالم؛ بل إنني أؤكد هنا على أن نجاح الذكاء الاصطناعي في مكافحة الجريمة ما هو إلا شهادة على قوته وقدرته على التغيير وصناعة الفارق. وأضيف أيضاً أنني على يقين بأن استمرار مسيرة التقدم المحمومة لتقنيات الذكاء الاصطناعي ما هي إلا علامات تبشّر بتطور هائل سينال من عالم الجريمة ويقوّض من أركانه، وإذا ما أضفنا إلى ذلك استمرار الدراسات البحثية والتعاون والاستثمار في تلك التقنيات الرائدة، فإننا بلا شك سنكون أمام عهد جديد من الحلول المبتكرة التي ستمهد الطريق أمام مستقبل هانئ لا جريمة فيه.
مؤسس سهيل للحلول الذكية