عمرو الشوبكي
رحل عن عالمنا جورج إسحاق، أحد الرموز الوطنية الكبيرة فى تاريخ مصر، والذى كان نموذجا للعطاء وصدق الموقف، فحضور الرجل لم يكن فقط فى السياسة وحقوق الإنسان وحلمه بمصر مدنية ديمقراطية، إنما بطلته الإنسانية الجميلة.
فلم يكن فقط صاحب موقف ونموذجا للإخلاص والعطاء فقط، إنما كان بجانب ذلك شخصية ثرية محبوبة، ومخزن أسرار كثير من السياسيين، ومصدر ثقة؛ يفضفض له العديد من الشباب همومه وطموحاته.
«القيادة» (حكمة ونزاهة) هى الشعار الذى أطلقته عليه منذ سنوات وهو يضحك ضحكته الجميلة، أما هو فكان يقول لى- خاصة حين أعتذر عن ندوة لسفرى: «محاضر دولى»، وأضحك.
عرفت «القيادة» منذ ٢٠ عاما عقب تأسيس حركة كفاية الذى كان هو منسقها العام، وبقينا أصدقاء بيننا نقاشات كثيرة ومساحات إنسانية عميقة وفضفضة ومحبة كبيرة.
فالرجل كان له موقف قبل ثورة يناير وبعدها، فعارض سياسيا دون أى إساءة سياسات الرئيس مبارك، وخاصة مشروع التوريث، ثم دعم ثورة يناير وشارك فيها، ثم عارض الإخوان المسلمين.
ثم أصبح حتى وفاته عضوا فى المجلس القومى لحقوق الإنسان يدافع عن حقوق الناس ويقف فى وجه أى انتهاك بحق أى مواطن مصرى مهما كان توجهه السلمى، وكان قادرا على التواصل مع الدولة والمعارضة وأن يكون نقطة تلاق لكثيرين.
قيمة جورج إسحاق وأهميته أنه مصرى بورسعيدى أصيل، فرغم نشاطه الحقوقى إلا أن حساباته ظلت كلها محلية وطنية خالصة، فهدفه هو إرضاء ضميره وما يراه أنه من حقوق الشعب المصرى، وهنا لم يكن يعنيه كثيرا رضا سلطة أو مؤسسات دولية، أو يحصل على جاه وحظوة، فكان يكفيه حب الناس وإخلاصه لقناعاته.
حافظ جورج رغم مرضه الأخير على حضور جلسات المجلس القومى وظل «يعافر» حتى آخر لحظة ويشارك فى كثير من الأنشطة والندوات السياسية والحقوقية، وكنت أقول له: عظيم ما تفعله لكن لا تجهد نفسك أكثر من اللازم.
أما اللقاء الأخير فكان فى مثل هذا اليوم من الأسبوع الماضى، فقد كلمنى قبلها يوم السبت فى مبادرة منه رغم أنى اعتدت عقب مرضه أن أكلمه وأقول له: «يا قيادة حتبقى فين بكرة».
فيخبرنى وغالبا أذهب، أما المرة الأخيرة فاتصل بى وقال: «مش حشوفك بكرة»، وكانت صيغة الجملة أقرب لدعوة وداع، وقررت طبعا الذهاب وجلسنا ساعتين وفى وسط حديثى معه عن المستقبل القريب قال «لا أنا خلاص»، وكررها مرتين.
شعرت بعد هذا اللقاء الذى لحق بنا فيه الأستاذ مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبى، والباحث عمرو حمزاوى، أنه سيكون اللقاء الأخير، وللأسف هذا ما حدث بعد ٥ أيام.
اللهم ارحم جورج إسحاق، وأحسن إليه بقدر عطائه ومحبة الناس له، فهو واحد من أجمل الشخصيات التى يمكن أن تلتقيها فى حياتك.
نقلا عن المصري اليوم