الأنبا موسى
الإنسان خلقه الله بقوته الإلهية، وسيعود إلى الله فى اليوم الأخير.. ولكن للإنسان:
أولًا: طبيعة بشرية ضعيفة:
لمّا كان الإنسان قد خُلق من روح عاقلة وجسد ترابى، والروح هى نسمة قدسية من الله، خالدة بخلوده.. لذلك فلما أخطأ الإنسان، واستحق العقوبة، كان لابد أن يرجع التراب إلى التراب كما كان، وترجع الروح إلى الله الذى أعطاها. وقد ظهرت عوامل الموت الجسدى بعد السقوط فى صور كثيرة مثل:
1- تسلل المرض إلى جسم الإنسان.
2- ظهرت مضاعفات الشيخوخة.
3- المعاناة من كوارث الطبيعة مثل: الزلازل والبراكين والسيول والفيضانات.
4- اكتساب بعض الحيوانات الطبيعة الوحشية، التى يمكن أن تفترس الإنسان.
5- قتل الإنسان لأخيه الإنسان.
وهكذا تناقص عمر الإنسان، وبخاصة بعد أن خرج من جنة عدن بدأ يأكل اللحوم، وأصبح بمثابة كيان هش يحمل الموت فى أحشائه.. خلايا تموت، وأخرى تُخلق من جديد، إلى أن تأتى لحظة النهاية، إذ «وُضِع للناس أن يموتوا مرة، ثم بعد ذلك الدينونة» (عبرانيين 27:9).
ومن هنا «كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع» (رومية 12:5).
ويلاحظ القارئ الحبيب أن الموت اجتاز إلى الجميع إذ أخطأ الجميع، ولم يقل فأخطأ الجميع... أى أن الموت كان حكمًا على الإنسان لأنه أخطأ فعلًا، بالإضافة إلى أن الموت كان أيضًا نتيجة للفساد الذى أصاب الطبيعة الإنسانية.
ولكن شكرًا لله، لأن الرب حينما مات على الصليب وقام، قام بجسد نورانى، روحانى، سمائى، خالد.. وسوف يعطينا بقوة قيامته أن ننال هذا الجسد الممجد الذى سنحيا به إلى الأبد فى أورشليم السمائية بعد القيامة العامة مباشرة.
وهكذا رأى بولس الرسول رب المجد - بروح النبوة - وهو قادم على السحاب نازلًا من السماء.. «بهتاف، بصوت رئيس ملائكة وبوق الله، والأموات فى المسيح سيقومون أولًا، ثم نحن الباقين سنخطف جميعًا معهم فى السحب، لملاقاة الرب فى الهواء، وهكذا نكون كل حين مع الرب» (1تسالونيكى 16:4،17)، فهو «الذى سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون على صورة جسد مجده» (فيلبى 21:3).
ثانيًا: روح قوية خالدة:
يقول الكتاب المقدس: «اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد» (غلاطية 16:5)، وكان نداء القديس بولس الرسول: «امتلئوا بالروح» (أفسس 18:5).
الروح هى العنصر الذى وضعه الله فى الإنسان، والذى من خلاله يتصل الإنسان بالله، وبالإيمانيات، وعالم الروح.
فإذا كان الإنسان يشترك مع النبات فى الجسد، ومع الحيوان فى الجسد والنفس، إلا أنه يتميز بعد ذلك بالعقل والروح، لذلك يقول البعض عن الإنسان إنه حيوان عاقل ومتدين.
ومنذ فجر التاريخ الإنسان متدين، حتى وإن ضل الطريق الصحيح، إلا أن أحشاءه تؤكد له وجود الخالق، والخير، والثواب والعقاب، والخلود.. وما شابه ذلك من عالم الماورائيات، أى ماذا وراء المادة؟ وماذا وراء الموت؟ وماذا وراء الزمن؟ وماذا وراء الطبيعة؟.. وأحيانًا يسمونه عالم الميتافيزيقا، أى ما وراء الطبيعة المحسوسة!.
لقد استلم آدم معرفة الله من الله مباشرة، ثم تعاقبت الأجيال بعد السقوط، وتشتت البشر بعد بلبلة الألسنة، وبدأنا نسمع عن عبادات كثيرة، كعبادة: الشمس والقمر والنجوم والعجل والبقرة وتماثيل.
ولكن هذه جميعًا كانت مجرد تعبيرات عن القوة والخير والعدل والسلطان.. وقد اختار الله فى القديم بعض أسرار الشريعة والفهم والإيمان، ومع ذلك كثيرًا ما ضلوا وعبدوا الأوثان التى تعبدت لها الأمم فى مختلف حقب الزمان.
ولنا أن نفخر كمصريين بأخناتون العظيم الذى نادى بالإله الواحد، وقدم له العبادة والسجود، وتحدث عن بعض صفاته الإلهية، وكيف أنه- جل اسمه - روح بسيط خالد خالق، يرعى الكون بحبه، ويشرق عليه بشمسه: ويضمه إليه بحنانه الفائق.
ومع أن الروح هى عنصر الإيمان فى الإنسان، إلا أنها ما انفصلت قط عن العقل عنصر التفكير.. لهذا رأينا فى الفلاسفة اليونان وفى الحضارات الشرقية القديمة عقولًا استنارت بروح الله، واستشرفت من بعيد آفاق الألوهة الفائقة للعقل والمعرفة، حتى استحق الفلاسفة أن يسميهم القديس كليمنضس الإسكندرى أنبياء الوثنية.
إن الروح - أيها القارئ الحبيب- هى العنصر الذى يوصلنا إلى الله ويوحدنا به، فاحذر أن يتدمر هذا العنصر فى حياتك: حينما تهمل خلاص نفسك، أو حينما تجعل المادة أو الغرائز تتحكم فيك، فأنت مخلوق إلهى فوق المادة والتراب، واتجاهك نحو الخلود والأبدية، فانتبه خشية أن يضمر هذا العنصر فى حياتك بسبب الإهمال الروحى، والرب معك، يسندنا جميعًا بنعمته الإلهية.
له كل كل المجد، إلى الأبد.. آمين.
نقلا عن المصري اليوم