يمثل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، بعد ظهر الثلاثاء، أمام محكمة فيدرالية في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، ليواجه تهماً جنائية لا سابق لها ضد رئيس سابق أو مقيم في البيت الأبيض، تتعلق باستحواذه غير القانوني على وثائق سريّة بعد انتهاء ولايته الرئاسية وسعيه إلى عرقلة الجهود الحكومية لاستعادتها، في وقت كثّفت فيه السلطات الفيدرالية والمحلية استعداداتها الأمنية لمنع أي أعمال شغب محتملة من مؤيديه.
وستكون هذه المرة الثانية التي يمثل فيها ترمب خلال أشهر ليواجه تهماً جنائية. ولكن على عكس قضية نيويورك التي سخر منها بعض المحللين القانونيين باعتبارها تافهة نسبياً، فإن دعوى ميامي رفعتها وزارة العدل، لتكون الأولى ضد رئيس سابق. وهي تتعلق بسلوك يفيد المدعون العامون بأنه يعرّض الأمن القومي للخطر ويندرج تحت القانون الأميركي لمكافحة التجسس، ما يعني أن المتهم يمكن أن يواجه عقوبة سجن كبيرة في حال الإدانة. وأصدر المستشار القانوني الخاص الذي عينته وزارة العدل للنظر في القضية جاك سميث قراراً اتهامياً مؤلفاً من 49 صفحة، بانياً بعض أقوى أدلته على أحد وكلاء الدفاع عن ترمب المحامي إيفان كوركوران.
وقبل تلاوة الاتهامات ضده رسمياً، صعّد ترمب خطابه ضد المستشار الخاص، واصفاً جاك سميث بأنه «مختل العقل» لديه فريق من المدعين العامين «البلطجية»، مكرراً من دون أي دليل ادعاءاته بأنه كان هدفاً للاضطهاد السياسي. ودعا أنصاره إلى الانضمام إلى احتجاج مخطط له أمام محكمة ميامي الثلاثاء، حين يسلم نفسه للمحاكمة.
وقال ترمب في مقابلة إذاعية: «نحن بحاجة إلى القوة في بلدنا الآن. وعليهم الخروج والاحتجاج سلماً. عليهم الخروج... على بلادنا أن تحتج. لدينا الكثير من الاحتجاج. فقدنا كل شيء». وأكد أنه لا توجد ظروف «على الإطلاق» سيترك بموجبها سباق 2024، إذ لا يزال متقدماً حتى الآن على المرشحين الآخرين في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري.
من ميامي إلى نيوجيرسي
واحتشد مؤيدون آخرون لترمب دفاعاً عنه، وكان بينهم المرشح الجمهوري غير الناجح لمنصب حاكم ولاية أريزونا كاري ليك، الذي قال إنه إذا أراد المدعون «النيل من الرئيس ترمب»، يتعين عليهم «النيل مني ومن 75 مليوناً من الأميركيين مثلي. ومعظمنا أعضاء يحملون بطاقات الجمعية الوطنية للبنادق»، وهي من أقوى لوبيات الأسلحة في الولايات المتحدة.
وتبدو دعوات ترمب للاحتجاج بمنزلة رجع صدى لدعوات وجهها قبل مثوله أمام المحكمة في نيويورك خلال أبريل (نيسان) الماضي، حين وُجهت إليه تهم بدفع أموال لامرأة مقابل ضمان صمتها خلال حملته الرئاسية لعام 2016، علماً بأنه اشتكى من أن الذين حضروا كانوا «بعيدين للغاية ولم يعرف أحد عنهم». ومثل هذه الحالة، يخطط ترمب لمخاطبة مؤيديه في خطاب مساء الثلاثاء بعد ساعات من موعد محاكمته. ويتوقع أن يعقد ترمب مؤتمراً صحافياً عندما يعود إلى نيوجيرسي بغية الرد علناً على الاتهامات.
وكان أنصار ترمب يخططون أيضاً للتوجه إلى ميامي عبر حافلات من أجزاء أخرى من فلوريدا، ما أثار مخاوف مسؤولي إنفاذ القانون الذين يستعدون لاحتمال حدوث اضطرابات حول قاعة المحكمة. ويتوقع أن يعلن رئيس بلدية المدينة فرنسيس سواريز تفاصيل إضافية حول الاستعدادات.
عرقلة العدالة
وكانت وزارة العدل قد كشفت، الجمعة الماضي، عن قرار يوجه لترمب 37 تهمة جنائية، منها 31 تتعلق بالاحتفاظ المتعمد بمعلومات الدفاع الوطني. وتشمل التهم الأخرى التآمر لارتكاب عرقلة العدالة وتقديم بيانات كاذبة.
ويفيد القرار الاتهام بأن ترمب احتفظ عمداً بمئات الوثائق السريّة التي أخذها من البيت الأبيض إلى منزله «مارالاغو» في فلوريدا في يناير (كانون الثاني) 2021. وخزنت المواد في أماكن مختلفة، بما في ذلك في إحدى غرف المراحيض وقاعة للرقص وغرفة للنوم والاستحمام، علماً بأنها تضمنت مواد عن برامج نووية وقدرات دفاعية وتسليحية لدى الولايات المتحدة وحكومات أجنبية و«خطة هجوم» لوزارة الدفاع (البنتاغون)، طبقاً لما أورده القرار الاتهامي. وأكد ممثلو الادعاء أن المعلومات، لو كشفت، يمكن أن تعرض للخطر أفراد الجيش والمصادر البشرية السريّة وطرق جمع المعلومات. وأضافوا أن ترمب سعى إلى عرقلة جهود الحكومة لاستعادة الوثائق، بما في ذلك عن طريق توجيه مساعده الشخصي والت ناوتا، الذي اتُّهم إلى جانب ترمب، بنقل الصناديق لإخفائها، فضلاً عن أنه اقترح على محاميه إخفاء المستندات أو إتلافها.
المقارنة مع كلينتون
وسعى بعض الجمهوريين إلى الضغط في مواجهة قضية ترمب، باعتبار أنه يُعامل بشكل غير عادل. واستشهد البعض بقرار لوزارة العدل عام 2016 بعدم توجيه الاتهام إلى الديمقراطية هيلاري كلينتون، لتعاملها مع معلومات سريّة من خلال خادم بريد إلكتروني خاص كانت تعتمد عليه عندما كانت وزيرة للخارجية. لكن هذه الحجج تتجاهل أن محققي مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) لم يجدوا أي دليل على أن كلينتون أو مساعديها انتهكوا عمداً القوانين المتعلقة بمعلومات سرية أو عرقلوا التحقيق.
وقال حاكم ولاية نيو هامشير الجمهوري كريس سونونو إن هناك «فرقاً كبيراً» بين التحقيقين، لكن «يجب شرح ذلك للشعب الأميركي».
وكانت وزارة العدل قد أبلغت، في وقت سابق هذا الشهر، نائب الرئيس السابق مايك بنس أنها لن توجه اتهامات في شأن وجود وثائق سرية في منزله في إنديانا. ولا يزال تحقيق مستقل خاص بوزارة العدل في شأن اكتشاف السجلات السرية في منزل الرئيس جو بايدن ومكتبه مستمراً.