محمد أبو الغار
هذا كتاب جديد ممتع بقلم د. صبرى حافظ، يقترب فيه الكاتب من شخصية طه حسين، ويوضح حجم إجلال كبار المثقفين له، وبالرغم من العدد الهائل من الكتب التى نشرت عن طه حسين فإن هذا الكتاب قد أضاف جديدًا وبلغة سلسة بسيطة. الفصل الأول يتحدث فيه الكاتب عن المثقفين المصريين فى شبابه، وخاصة اليساريين فى عهد عبد الناصر، وقد عرفهم عن قرب وصادقهم واحتك بهم، بل كان منهم. ويتحدث بحب عن صلاح حافظ وسليمان فياض ويذكر فضل يحيى حقى بتشجيعه لهم جميعًا وكيف عمل معه فى المجلة، وكذلك عبد الفتاح الجمل الذى فتح صفحته للمثقفين والكتاب فأعطاهم فرصة ذهبية للظهور. وتحدث عن تعلمه من الناقد الكبير أنور المعداوى وحبه وصداقته للصحفى جلال السيد الذى تكرر اسمه بحب فى كثير من الكتب التى نشرت عن هذه الفترة. وأظهر الكاتب فى أكثر من موقف غضبه من سهير القلماوى لأنه اعتبرها مسؤولة عن إزاحة يحيى حقى عن موقعه بدون وجه حق.
يتحدث المؤلف فى هذا الفصل عن سيرته الذاتية فى الريف، ثم فى القاهرة، والصعوبات البالغة فى الحياة فى العاصمة لمثقف يريد أن يشارك فى الحياة الثقافية مع الفقر، وصعوبة إيجاد مورد مادى، ويحكى كيف تعرف على قادة الفكر، ويحكى بالتفصيل حضوره ندوة نجيب محفوظ كل جمعة فى كازينو أوبرا وكيف كتب نقدًا لرواية لنجيب محفوظ وقرأ محفوظ النقد وأعجب به وتحدث معه أثناء الندوة، وكم كانت فرحته بذلك. ثم يحكى عن دور السينما فى ميدان السيدة زينب وكيف كان مدمن حضور الأفلام وكذلك الاستماع الخميس الأول من كل شهر لحفلة أم كلثوم، وكيف وجد عملًا فى شركة يملكها أحد أغنياء الأقباط وفيها تعرف على عدد من العاملين الأقباط، وكيف كانت تجربة إيجابية وهامة. ويذكر أن طه حسين والعقاد كانا يقولان رأيهما بصراحة فى تدخل السلطة فى الثقافة وتقليصها لاستقلال الجامعة.
ابتكر المؤلف تقسيمًا للمثقفين المصريين وعلاقتهم بالسلطة، وأعتقد أنه تقسيم حقيقى وصادق، وقد أضفت له جزئية صغيرة، فالمجموعة الأولى أطلق عليها اسم أحفاد على مبارك، الرجل الهمام الذى عمل فى دولاب الدولة بإخلاص وكان مطيعًا ولكنه أدى خدمات جليلة للوطن. وأنا أود أن أقسم أحفاد على مبارك الذين يعملون مع النظام إلى أحفاد موهوبين يعملون بجدية لصالح الوطن ويطيعون الأوامر، وهؤلاء أدوا خدمات جليلة للوطن داخل دولاب الدولة، وهناك أحفاد على مبارك الذين يسمعون الكلام ويسبحون بحمد النظام ولا يقومون بعمل مفيد وإنما يتملقون للكبار، وهؤلاء هم الذين تولوا معظم المناصب الهامة ولم يفعلوا شيئًا لصالح الوطن بل أضروا به. النوع الثانى من المثقفين من سمّاهم المؤلف أحفاد عبد الله النديم وهم المثقفون الأحرار الذين على خلاف دائم مع النظم الحاكمة، وهم يعتبرون طه حسين زعيمهم وكبيرهم، وهؤلاء فى الأغلب لا يعجب بهم النظام ولذا ظلوا يغردون خارج السرب ولكنهم حافظوا على روح مصر ودافعوا عن استقلالها وحريتها.
يحكى المؤلف عن اجتماع المجلس الأعلى للثقافة برئاسة كمال الدين حسين الضابط وزير التعليم الذى تأخر عن الحضور، فقام العقاد وأراد أن يجلس مكانه ويبدأ الجلسة فقال له طه حسين حين يأتى الوزير لن نقبل أن نزيحك من مكانك، فتصرف يوسف السباعى بلباقة قائلًا فليبدأ العقاد الجلسة من مكانه.
فى الفصل الثانى يتحدث عن ثلاثة لقاءات فى خريف سنوات 70 و71 و72 مع طه حسين فى بيته، حيث كانت تعقد إحدى لجان المجلس الأعلى للثقافة وكان صبرى حافظ هو الموظف الذى يدون محضر الجلسات. يصف المؤلف بيت طه حسين (رامتان) والحديقة الجميلة والزهور وتنسيقها واللوحات الفنية الموجودة بالمنزل، ويذكر أسماء أعضاء اللجنة من كبار الأساتذة والمفكرين والجميع كانوا يقدرون طه حسين ويجلونه ويحترمونه بحب شديد. كان اللقاء الأول فى العام الأخير من حكم عبد الناصر، وكان واضحًا من كلام الحضور غضبهم وحساسيتهم من الاعتداء على استقلال الجامعة. وفى العام التالى كان اللقاء فى عهد السادات وكانوا جميعًا يعرفونه وتعاملوا معه فى سنوات سابقة وأبدوا عدم ثقتهم فيه. وفى اللقاء الثالث كان هو اللقاء الذى تحدث فيه طه حسين مع المؤلف بصفته ناقدًا وكاتبًا، بعد أن تعرف على خلفيته الثقافية وشجعه على تعلم لغة أجنبية والسفر إلى الخارج، قائلًا إنها هى طريقة الانفتاح على الثقافة العالمية، وكانت هذه النصيحة هامة فشجعت المؤلف على دراسة اللغة الإنجليزية التى أتقنها بعد أن سافر إلى انجلترا، وبذل مجهودًا كبيرًا حتى استطاع إجادتها.
فى الفصل الثالث تحدث المؤلف عن طه حسين وإنجازاته وقدراته، وباختصار حكى للقارئ عن كتاب الشعر الجاهلى وما أحدثه من ضجة وغضب عارم من المؤسسة التقليدية ومن البرلمان، وحتى سعد زغلول انحاز ضده، ولكن فى النهاية أنصفه محمد نور رئيس النيابة واسع الثقافة والإدراك الذى اعتبر أن هذا رأى لا يتفق معه ولكن من حقه أن يبدى رأيه وحفظ القضية. تحدث عن مقولة طه حسين إن التعليم كالماء والهواء، وأنه حين كان مستشارًا لوزير المعارف استطاع تحقيق مجانية التعليم الأوَّلى، وعندما أصبح وزيرًا حقق مجانية التعليم الثانوى، وكانت خطته أن تكون الخطوة التالية مجانية التعليم الجامعى وهو ما حققه عبد الناصر بعد 52. وفى هذا الفصل يشرح المؤلف دراسة محمود أمين العالم عن المصادفة ويقول إنه سافر إلى منحة فى انجلترا بعد أن حدثت عدة مصادفات ساعدت كلها على سفره واستمراره هناك فى الدراسة حتى حصل على الدكتوراه.
وفى الفصل الأخير يتحدث بالتفصيل عن حياته فى انجلترا وعن جامعة أوكسفورد ومدينة أكسفورد، وعلاقته بزملائه وأساتذته ونظم التعليم والمكتبات.
الكتاب ملىء بالنقد لما فعلته يوليو 1952، والكتاب كان صريحًا وواضحًا وتكلم عن أحداث حضرها بدقة ومشاعر أحس بها.
أنا سعيد بقراءة هذا الكتاب ومناقشته فى الجامعة الأمريكية مع د. عماد أبو غازى والأستاذة منى أنيس، وأدارت النقاش الدكتورة فريال غزول.
قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك.
نقلا عن المصرى اليوم