سمير مرقص
(1) «سر جورج إسحاق: الناس والوطن والتاريخ»
فى ذروة الجائحة الفيروسية، مطلع 2021، أصيب جورج إسحاق بالكورونا. كتبنا آنذاك مقالا بعنوان: «جورج إسحاق: ناس ووطن وتاريخ»؛ لحثه على تجاوز الوعكة واستكمال دوره الوطنى. وبالفعل استجابت العناية الإلهية واستطاع عم جورج أن يهم ويتجاوز ما ألم به. وحاولنا فى المقال المذكور أن نقترب من ماهية ما أطلقت عليه: سر جورج إسحاق؛ وجاءت إجابتى كما يلى: أولا: إن «الناس» هم سر بزوغ «جورج»، وقوته، واستمراريته، والتزامه الوطنى العام المتجاوز التحيزات السياسية الضيقة.. وثانيا: الوطن؛ حيث تشكلت توجهات جورج وممارساته وفق الوطنية المصرية العريضة.. ثالثا: الخبرة التاريخية؛ بالانفتاح والمصالحة على كل التيارات والاتجاهات والتحرر من القوالب الأيديولوجية.
(2) «الدأب»
واصل «جورج إسحاق» دوره السياسى، فى العامين والنصف الأخيرين، بالرغم مما تركته الأزمة الصحية من آثار كانت جلية لكل محبيه وأصدقائه. فكنت تجده حاضرا ومشاركا فى المحافل السياسية خاصة من خلال تجمع القوى المدنية المشارك فى الحوار الوطنى الجارى، كذلك مواصلة دوره الحيوى فى المجلس القومى لحقوق الإنسان فى دورته الجديدة، والذى أعرف من خلال مزاملتى له فى دورتى ما بعد 25 يناير و30 يونيو كيف كان يقصده المواطنون العاديون لحل شكاواهم والبت فى المظالم التى يتعرضون لها فى حياتهم اليومية من جانب، ويلوذ به السياسيون والنشطاء فى شتى مجالات العمل العام دفاعا عن الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والحريات العامة من جانب آخر.
الدأب إحدى الصفات التى يتميز بها «جورج»، فمنذ عرفته فى عام 1986، قبل أربعين عاما تقريبا، تجده دائم الحث على الإنجاز. وإذا ما بدا الإحباط أو التراخى يسرى فى خضم جهد جماعى ما تجده يعمل على معاودة الكرة بشتى الطرق. وفى هذا المقام، أذكر تجربة، من ضمن عديد التجارب التى تشاركنا فيها مع آخرين، لمواجهة التوترات الدينية فى نهاية التسعينيات من القرن الماضى، وكيف لعب دورا إيجابيا من أجل الخروج بحلول عملية يمكن للحكومة الأخذ بها فى مجالى التعليم وحرية العقيدة. وللتاريخ يمكن القول إنها كانت مبادرة غير مسبوقة فى مواجهة أحداث التوتر الدينى، أخذ الدكتور على الدين هلال على عاتقه آنذاك بتفعيل مخرجاتها للمرة الأولى مع المعنيين فى مسار مراحل التوترات الدينية.. وربما يأتى الوقت لتفصيل هذه التجربة وغيرها من التجارب التى تصب فى اتجاه الخير الوطنى العام.
(3) «إتقان ما يعرف»
لم يدّع «جورج» يوما إتقان ما لا يعرف. فلقد كان يعرف قدراته حق المعرفة والتى فى مقدمتها تهيئة المناخ والتشجيع وتوفير الماخ اللازم من أجل بذل الجهد الوطنى. لم يدّع التنظير ولم يسع لموقع. وكان يتقن معرفة من يصلح لماذا. وفى المقابل كان يدرك/ يتقن أن وجوده- بما يمثل من حالة «كاريزمية» استثنائية بسيطة وشعبية تستمد شرعيتها من الناس والوطن والتاريخ- ضرورة فى المسار الوطنى/ السياسى المصرى، وكان يدرك كل من حوله تلك الكاريزمية الاستثنائية. ومن ثم انخرط فى الكثير والكثير من التجمعات والفعاليات السياسية والحزبية، والمدنية، والحقوقية، والتعليمية، والدينية، والثقافية، والنقابية، والمهنية،...، إلخ. وأستعيد فى النهاية ما ذكرته فى مقالى المنشور عن «جورج» فى 2021، حيث أشرت إلى أنه فى إحدى الندوات التى عقدت فى منتصف التسعينيات وكنت أقدم بحثا عن «مشاركة الشباب القبطى فى الحياة السياسية» أن سئلت لماذا لا يوجد «مكرم عبيد» معاصر؟. فأجبت: هناك «جورج إسحاق».. وزدت: إذا كان «مكرم عبيد»، وبحسب «مصطفى الفقى» فى رسالته الرائدة عن «مكرم عبيد»، قد قال بأنه: «الوحيد من بين السياسيين الأقباط الذى عبر حاجز الأقلية، ليصبح شخصية عامة، متمتعا بشعبية واسعة بين المسلمين قبل الأقباط»، فإن جورج إسحاق قد خرج على أنماط التمثيل المصرى المسيحى التى كرستها دولة يوليو سواء الناصرية بحصر تمثيل الأقباط فى فئتى الأنتلجنسيا والتكنوقراط، أو دولة يوليو المضادة للناصرية التى حصرتها فى البيروقراطية: الحكومية، والدينية، والحزبية (المقيدة والموجهة) من جانب، أو فى «الأثرياء» من جانب آخر.. وهو نموذج شجع آخرين للخروج على الأنماط المذكورة، وهو ما تجلى فى 25 يناير و30 يونيو. ويقينا سيشجع آخرين. «جورج إسحاق» وداعًا.
نقلا عن المصرى اليوم