ياسر أيوب
أحبت بلاده كرة القدم قبل ولادته بسنين كثيرة.. وكان حبا لم يشترط البطولة والانتصار لكى يدوم ويبقى ويكبر أيضا.. وكثيرة جدا هى الدراسات التى أكدت أن كرة القدم كانت القوة التى سقطت أمامها وذابت الخلافات بين قبائل الفولا والماندينكا والسوسو والكبيلى والكيسى.. وبعدما فاز منتخبها بالمركز الثانى فى أمم إفريقيا 1976 التى استضافتها إثيوبيا.
وبعدما فاز أحد أنديتها بدورى أبطال إفريقيا ثلاث مرات فى 1972 و1975 و1977 والكونفيدرالية 1978.. لم تعد هناك أى انتصارات كروية حقيقية، سواء للمنتخب أو الأندية.. ورغم ذلك بقى الصغار، سنة بعد أخرى، يولدون ويكبرون عشاقا لكرة القدم.. يلعبونها حفاة فى الشوارع ويجدون فيها الفرحة والأحلام الكبيرة والبعيدة.
وكان منهم هذا الطفل الذى اعتاد أن يلعب الكرة فى شوارع منطقة كوليا فى العاصمة كوناكرى.. لم يمنعه من اللعب أنه فى أوقات كثيرة لا يجد حذاء يلعب به فى الشارع أو تيشيرتا لأى من الأندية الكروية الكبرى التى يرتديها أحيانا أطفال آخرون تملك عائلاتهم المال.. ولم تكن الأم ميريام والأب سيكو سعيدين بحب طفلهما الصغير لكرة القدم.. رأى الاثنان أن الدراسة هى الأهم والضمان الحقيقى المتاح للهرب من دوائر الفقر وقسوته.
فالأب لا يملك المال ويعمل فى إصلاح الدراجات النارية.. وبدأ الاثنان أيضا يكرهان كرة القدم خوفا على طفلهما الذى يلعب فى الشارع طول الوقت وسط السيارات وتعرض أكثر من مرة لأن تصدمه إحدى السيارات لأن تركيز الطفل كان فقط مع الكرة وليس الطريق.. واضطر الاثنان فى النهاية بعد محاولات كثيرة للاستسلام لحقيقة أن ابنهما لن يكون إلا لاعب كرة قدم.
فقد بدأ الأب يسمع من الجيران والأصدقاء أن ابنه هو أحسن من يلعب الكرة فى شوارع كوناكرى.. وانضم الابن لأحد الأندية فى فريق الناشئين ليتلقى أول عرض للسفر إلى أوروبا وهو لايزال فى الثانية عشرة من العمر.. وخاف الابن من السفر ورفض العرض لكنه بدأ يحلم بأوروبا واللعب هناك.. وبالفعل سافر بعد أربع سنوات رغم رفض والديه.. وكان من الطبيعى أن يرحل إلى فرنسا.
فرغم استقلال بلاده عن فرنسا 1958 إلا أنها بقيت فرنسية اللغة والهوى إلا فى الموسيقى والطعام.. فالفرنسيون لا يعرفون إيقاعات ورقصات ألفا يايا ولا يأكلون خبز التابالايا أو أرز جولوف باللحم والطماطم والبصل.. وكان نادى إيستريس الفرنسى هو البداية ومنه إلى ريد بول سالزبورج النمساوى إلى ليبزيج الألمانى ثم ليفربول الإنجليزى حتى أيام قليلة مضت وسينتقل فى الموسم الجديد إلى فيردر بريمن الألمانى.
وجاءت الشهرة وجاء المال ومعه الفرحة أيضا للابن والأم والأب وللبلد كلها.. والبلد هى غينيا التى ستلعب مساء اليوم أمام مصر فى مدينة مراكش المغربية فى تصفيات أمم إفريقيا.. واللاعب الذى أتحدث عنه هو نابى كيتا الذى سيقود منتخب غينيا أمام منتخب مصر الذى سيقوده النجم الأكبر والأشهر محمد صلاح.
نقلا عن المصرى اليوم