القمص يوحنا نصيف
بينما كان القدّيس بولس يجتاز في شوارع أثينا، وجد معبدًا -مذبحًا- مكتوبًا عليه: "لإله مجهول". عندئذٍ، فتح فاه وقال لهم: "الذي تتّقونه وأنتم تجهلونه، هذا أنا أنادي لكم به" (أع17: 22-31).
لقد كان أغلب الناس قبل التجسُّد الإلهي يتّقون الله الذي يجهلونه، ويؤدّون فروض الصلاة والصوم والعبادة لإله مجهول.
ولقد كانت أقصى معرفة لله تتمّ عن طريق وسيط (نبي). كما كان يكلّم الله موسى، ثمّ يكلّم موسى بدوره الشعب. لكن شتَّان بين كلمات موسى عن الله في العهد القديم، وبين قول يوحنّا الحبيب في عهد النعمة: "الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا، من جهة كلمة الحياة" (1يو1:1).
وينتقل الرسول بولس في المعرفة، ليس لمجرّد المشاهدة، ولكن إلى حدّ الشركة، فيقول: "لأعرفه، وقوّة قيامته، وشركة آلامه، متشبّهًا بموته" (في3: 10).
والبحث عن معرفة الله أمر طبيعي في كلّ إنسان، فعندما خلق الله الإنسان نفخ فيه نسمة حياة (تك2: 7)، هذه النسمة الصادرة من الله هي أساس الدافع للبحث عن الله.
فكلّ إنسان يبحث عن إلهه المجهول.. يسأل عنه الأنبياء.. أحيانًا يراه في الأخلاق والضمير، وأحيانًا أخرى يبحث عنه في كتب الفلاسفة والعلماء، أو يراه في في قُوَى العِلم والطبيعة..
وأخيرًا، يكتشف الإنسان أنّ بحثه وعبادته ليست إلاّ جُهدًا عقليًّا لوصف إله مجهول، يعجز تمامًا عن الالتقاء به أو التلامس معه.
لكن إلهنا الذي أحبّنا، لمّا رأى عجزنا وفشلنا في إدراكه، صار إنسانًا مثلنا، فأخذ الذي لنا، وأعطانا الذي له.
هذا هو الإله الذي نحبّه ونعبده.
هذا الذي لمسته أيدينا، وهذا هو الذي أحبّنا وبذل ذاته عنّا.
القمص بيشوي كامل
(هذه المقالة تمّ نشرها في مجلّة "صوت الراعي" عدد يناير 1977م)
+ + +
بركة صلوات أبينا القدّيس القمّص بيشوي كامل تكون معنا. آمين.
القمص يوحنا نصيف