مدحت بشاي
لقد أسعدنى كمواطن مصرى طرح موضوع المفوضية، بل غمرتنى حالة من الرضا لروعة ما تم من تفاعلات حوارية إيجابية مثمرة بين المنصة والحضور حول أبعاد قضايا التمييز، وأهمية الاستجابة وتفعيل المادة الدستورية الموصية بإنشاء مفوضية عدم التمييز.. ولكن أعود لأهمية الإجابة عن سؤال: لماذا تم إرجاء المناقشة البرلمانية لموضوع المفوضية كل تلك الأعوام؟.. وقد تكون الإجابة مفيدة لطرحها على طاولة الحوار بشكل أو بآخر.
إن شعبنا العظيم الذى خرج بالملايين هاتفًا: «عيش.. حرية.. كرامة إنسانية» كان يعلم ويؤمن بأن الكرامة منحة فطرية من الخالق ليبدأ حياته بها، وينبغى ألا يسلبها منه أحد، وأن كرامته من كرامة أهله ووطنه، فكرامة الإنسان التى كان يعنيها الثائر فى الميدان هى ما جاء مع الإنسان إلى هذه الحياة، فالتكريم الإلهى موجود ومن استحقاقات البشر على الأرض.
ومعلوم أن الكرامة الإنسانية يعوق التمكن منها تراجع تحقيق العدل.. وعند تمكين الفقر والجهل والمرض من حياة الناس، يبقى أمر الدفاع عن شرف الإنسان وكرامته مسؤولية مجتمعية ووطنية حتى لا نغتال وجود عدالة كانت ممكنة البسط، وديمقراطية كانت متاحة أولوياتها للتطبيق.
والكرامة فى أبسط تجلياتها هى عِزّة النفس وعلامة النخوة والرفعة... معلوم أن الإهانة والتحقير والتبخيس للذات الإنسانية باتت من علامات الممارسات السلبية من جانب أصحاب رسالات الاستعلاء البشعة التى ينبغى مواجهاتها بكل السبل لدعم حالة السلام بين الناس. والكرامة الإنسانية فى النهاية فى أبسط حالاتها هى وعى موضوعى بقيمة الذات، ومواقف تُحْسَبُ لهذه الذات وعليها فى نفس الوقت.
تزداد كرامة الإنسان أهميّةً وضرورةً فى زماننا بعد أن أصبح الأمن والاستقرار مرهونين اليـوم أكثر من أى وقت مضى ببذل جـهود جادة لإقرار المسـاواة والتسـامح وسيادة القانون فى كل بقاع الدنيا، لأن من شأن الكرامة الإنسانية أن تقود الإنسان إلى شعور الاحترام وعزة النفس، وبها يتحقق السِّلم والأمن والتعايش والازدهار فى إطار النسيج الاجتماعى المتكامل.
ولا ريب أن السلوك الإنسانى السلبى يدفع الناس إلى الانسحاب من دنيا المشاركة والتفاعل الإنسانى.. تتعدد صور وتجليات الكرامة الإنسانية فى أشكالٍ عديدة، وهى غير مخصصة لجماعة معينة من البشر، ولا تميز بين عرق أو لون أو دين أو جنس، وإنما ينبغى أن ينعم بها الإنسان فى كل مكان، ومهما اختلفت توجهاته وتباينت مواقفه وقناعاته.
ومعلوم أن التمييز بين الناس لأى سبب يُهدر الكرامة الإنسانية ويسلب حق المواطن فى التمتع بمظلتها، لذلك يعتبر المساس بأى من مبادئها جريمة شنيعة، وعليه فقد تسابقت الأمم التى تنشد التقدم والسلام والحياة الآمنة لمواطنيها فى توفير التشريعات عبر الدساتير لضمان حفظ الكرامة الإنسانية.
ونحن فى شهر الاحتفال بثورة 30 يونيو، لن ينسى المواطن المصرى مدى بشاعة الخطاب الإخوانى المتطرف الزاخر برسائل الكراهية المحرضة على التمييز الدينى التى تزرع الفتن وتفتك بحالة السلام الاجتماعى.
وقد شملتنى حالة من الرضا والسعادة بمجرد التيقن بمعرفة أن مقررة لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة بالحوار الوطنى هى الدكتورة «نيفين مسعد»، وأنها القائمة بإدارة الحوار.. ورأيت اختيارها إشارة إيجابية من قِبَل إدارة منظومة الحوار الوطنى.
أشارت الدكتورة نيفين مسعد إلى أن عمل اللجنة يُعد التزامًا سياسيًا من قِبَل الدولة للقضاء على جميع التحديات، وأن نجاح الحوار هو مسؤولية مشتركة، فهو ليس مجرد منصة لتبادل الآراء فقط، ولكن هدفه إحداث نقلة فى التشريعات والسياسات.. وهو ما يعنى أننا أمام عمل متكامل يسعى إلى وضع حد للتمييز وجرائم الكراهية.
وتقدم السفير محمود كارم، نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، بتصور متكامل أعده المجلس للقضاء على جميع أشكال التمييز، يقوم على برنامج وطنى شامل لتوعية المواطنين بكل أشكال ممارسة التمييز، وأن التمييز ومكافحته من الحقوق الأساسية، فمن حق المواطن أن يشعر بالمساواة بينه وبين غيره من المواطنين، لذلك يجب القضاء على جميع أشكال التمييز ومحاربة روح التعصب.
إن إنشاء مفوضية منع التمييز يجب أن تكون من أولويات العمل البرلمانى خلال الفترة المقبلة.. لقد اتخذت الدولة المصرية العديد من الإجراءات فى هذا المجال، فهناك مشروع قانون تعده وزارة العدل حاليًا، وسترسله للبرلمان لمناقشته خلال الفترة المقبلة.
وأمر طيب أن توصى إدارة الحوار بدعوة وزارتى التربية والتعليم والتعليم العالى للتركيز فى المناهج المختلفة على أهمية رفض التمييز واحترام الآخر ونشر ثقافة حقوق الإنسان، وعمل المزيد من ورش العمل والجلسات النقاشية من خلال الأحزاب السياسية فى مختلف محافظات الجمهورية للتوعية برفض التمييز، وهو ما بدأته بالفعل تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.
فى الواقع، إن إنشاء لجنة خاصة بحقوق الإنسان بالحوار الوطنى يعكس التفاتا سياسيا لهذه القضية، ويبقى أمر نجاح الحوار الوطنى فى تحقيق أهدافه مسؤولية مشتركة.
وأشارك الدكتورة مقررة اللجنة فى تأكيدها على أن الحوار ليس مجرد منصة نتبادل فيها الرأى، ليس كل هذا هو الهدف، ولكن المطلوب أن نُحدث نقلة، مشيرة إلى أن الحوار الوطنى يقيم جسورًا كانت قد تقطعت بين العديد من القوى السياسية.
نقلا عن المصري اليوم