الأنبا موسى
الشباب هو سن المشاعر الفياضة، وفى كل اتجاه: نحو الله، ونحو أسرته، ونحو أصدقائه، ونحو الجنس الآخر. وسوف نركز حديثًا عن كيفية توجيه العاطفة، حينما تتجه نحو الجنس الآخر.
ولعل الأسئلة التى يمكن أن تطالعنا فى هذا الموضوع هى:
1- ما هى العاطفة؟
2- ما موقعها داخل الكيان الإنسانى؟
3- ما هى مخاطرها إذا انحرفت؟
4- كيف أقود عواطفى بطريقة إيجابية بناءة؟
1- ما هى العاطفة؟
العاطفة هى انفعال متكرر، يثبت بالتكرار، سواء نحو شخص أو شىء أو قيمة.
أ- نحو شخص.. حينما يراه الإنسان ينفعل انفعالا مُريحا، إذا تكررت الرؤيا والانفعال المريح، يتحول الأمر إلى عاطفة محبة. ونفس الأمر لو أن الانفعال كان سلبيًا، بعدم الارتياح، إذا تكرر يثبت، ويصير عاطفة رفض لهذا الإنسان.
وهذا بالطبع موقف غير مقبول روحيًا ودينيًا.. ربما أرفض منهجه أو سلوكياته الخاطئة، ولكن يمكن للإنسان المؤمن أن يستمر فى تقديم محبة هادئة للشخص، حتى لو رفض سلوكياته.
ب- نحو شىء ما.. كالإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى والميديا، إذا ما انفعل الإنسان بطريقة إيجابية نحو أمر أكثر من هذه الأمور، يتحول الانفعال - بالتكرار- إلى عاطفة محبة ثابتة ومستمرة نحو ما أحب. وبالعكس لو انفعل الإنسان ضد: الخطيئة.. التدخين.. الخمور.. المخدرات.. النجاسة..، وتكرر الانفعال، يتحول ذلك إلى رفض لهذه الأمور، مهما حاول الشيطان أو أصدقاء السوء إغراءه بها.
ج- أو قيمة ما.. كالمحبة أو الخدمة أو الوداعة أو صنع الخير.. يفرح بها الإنسان، وإذ يتكرر هذا الأمر يتحول إلى حب. وبالعكس فالتهور أو الغضب أو النميمة أو الكبرياء أو الأنانية.. كلها أمور يمكن أن تكوِّن لدى الإنسان المؤمن عاطفة كره أو رفض لها.
.. المهم إذن، أن نأخذ الأمر ونحن فى داخل دائرة الرب لنستطيع أن نكون عواطف بناءه، تكون سببًا فى خلاصنا، ونمونا الروحى، وخدمة الآخرين.
2- موقع العاطفة فى الكيان الإنسانى:
العاطفة هى جزء من النفس.. وذلك فى الإنسان الطبيعى، فإن كان الإنسان يتكون من روح تتصل بالله، وعقل يفكر ويدرس ويحلل، ونفس فيها الغرائز والعواطف، وجسد يتحرك ويسعى فى الأرض.. تكون العاطفة جزءًا من الجهاز النفسى للإنسان، يعلوها العقل والروح، ويأتى تحتها الجسد والحواس.
ومعروف علميًا أن النفس مكونة من:
1- موروثات: كالغرائز والحاجات النفسية، وهى ما ورثناها فى طبيعتنا البشرية.
2- مكتسبات: كالعواطف والعادات والاتجاهات، وهى ما اكتسبناها فى مسيرة العم..
العاطفة - إذن - هى جزء من النفس.. والنفس والجسد هما مكونان نشترك فيهما مع الحيوان.. أما العقل والروح فقد اختص الله بهما الإنسان.
ونحن نلمس هذا فعلًا فى حياتنا اليومية، فالحيوان عنده غرائز: كالعطش والجوع وحب الحياة والأمومة والأبوة والجنس.. وعنده العواطف.. ولدينا فى الكلاب مثلًا نماذج وفاء نادرة، وحب شديد لأفراد الأسرة.
نقول هذا لنصل إلى نتيجة غاية فى الأهمية والخطورة، وهى أنه: لا ينبغى للعاطفة أن تقودنا!!، ولا ينبغى للنفس أو للجسد أن يمسك بدفة السفينة!!، فهنا يكمن دمار خطير محتمل. بل ينبغى أن يقودنا الروح، ويضبط مسارنا العقل، فهما العنصر الإلهى فى الإنسان. فالله خلقنا من تراب، ولكنه نفخ فيه نفسًا حية، وروحًا عاقلة، تميزنا عن الحيوانات!!.
3- مخاطر العاطفة إذا انحرفت:
العاطفة - إذن - قوة هامة فى الإنسان، يمكن إذا سارت بطريقة إيجابية أن تبنى الإنسان، إذا ضبطها العقل، وقدسها الروح، وقادها الرب!! أما إذا انحرفت العاطفة، فالدمار أكيد، لكل الكيان الإنسانى.
العاطفة شىء يبقى معلقًا إلى أن يستقر فى أحد اتجاهين:
1- إما أن تتسامى.. بالعقل والروح.. إلى الله!!
2- وإما أن تتدنى.. بالغريزة والحسيات.. إلى الجسد!!، وهنا تكون الطامة الكبرى، والتورطات الخطيرة المهلكة!!.
العاطفة أمر له تأثيره، فهى كثيرًا ما تعمى العقل، وتخدِّر الروح، وتهرب من تأنيب الضمير، وترفض كلمة النصح من الأسرة، وكل المحبين المخلصين!!، إنها - إذا انحرفت - أسر شيطانى رهيب، يقود الإنسان إلى موارد التهلكة، والانحدار العظيم!!.
4- كيف أقود عواطفى؟
القيادة السليمة للعاطفة تكون بأن:
1- يضبطهـا العقل...
وذلك حينما أخضع هذه المشاعر للتفكير العميق والسليم، وأحاور من يحبوننى فى هذا الأمر: الأسرة، وأصدقاء الخير!!.
2- يقدسها الروح.. حينما أصلى وأعرض الأمر على الله، وأدرسه فى نور الوصية، وقواعد الإيمان السليم، سائلًا نفسى: هل يوافق الله على هذا الأمر؟.
3- يقودها الله.. بمعنى أن يتخلى الإنسان عن عناده وتشبثه بالخطأ، ويعطى فرصة لروح الله أن يقود حياته وأفكاره وقراراته المصيرية!!.
هكذا تكون قيادة العاطفة، تلك الطاقة الرائعة الكامنة فينا، والتى يمكن أن نوجهها نحو:
1- الله.. فى مناجاة الحب.
2- الأسرة.. فى علاقات طيبة.
3- الأصدقاء.. فى عشرة مقدسة.
4- الخدمة.. فى عطاء محبب للآخرين.
5- الهوايات.. كالقراءة والموسيقى والثقافة.
6- الثقافة.. الدينية والكتابية والعامة.
وهناك ميادين كثيرة بناءة، يمكن أن نوجه إليها عواطفنا، لتكون سبب بناء لا هدم، سواء فى حياتنا أو فى حياة الآخرين. والرب يعيننا فى كل جهاداتنا لمجد اسمه، وفرح كثيرين.. له كل المجد إلى الأبد آمين.
نقلا عن المصري اليوم