ياسر أيوب
فى العاشر من يوليو 2011.. وأمام 15 ألف متفرج امتلأت بهم مدرجات استاد العاصمة جوبا.. لعب منتخب جنوب السودان لكرة القدم أولى مبارياته أمام نادى توسكار الكينى.. وكان أكثر الجميع حماسة وسعادة بما يجرى هو ماكواك تينى وزير الرياضة فى جنوب السودان.. وتحدث ماكواك يومها مع كثير من مراسلى قنوات عالمية وعربية، مؤكدا أن المهم كان السلام الوطنى الذى وقف الآلاف فى المدرجات يسمعونه وينشدونه لأول مرة.
فجنوب السودان لم تعلن استقلالها رسميا إلا قبل 24 ساعة فقط من هذه المباراة.. وهو ما يعنى أن كرة القدم كانت أول نشاط للدولة الجديدة وأول مناسبة يجتمع فيها الناس حول علم ونشيد ومنتخب كروى أيضا.. وكان الوزير ماكواك متأثرا أيضا باثنتين من أهم وأعمق حكايات كرة القدم.. ألمانيا الغربية التى خرجت من الحرب العالمية الثانية محطمة ومفككة وحزينة وموجوعة فأعادت لها كرة القدم اعتبارها وفرحتها وأحلامها.
حين حققت المفاجأة الكبرى وفازت بمونديال 1954، وهو انتصار حمل فيما بعد لقب معجزة بيرن حيث أقيمت المباراة النهائية فى مدينة بيرن السويسرية.. والحكاية الثانية حين عاش العراق محنة الحرب وقسوتها ومخاوفها ومواجعها فأهدته كرة القدم فرحة كان يستحقها ويحتاج إليها حين فاز رغم كل الظروف بكأس آسيا 2007.
ولم يكن الوزير ماكواك يريد الفوز فى الملعب إنما كان وحكومته كلها يحتاجون لكرة القدم لتأكيد استقلالهم الذى تم إعلانه قبل المباراة بيوم واحد فقط.. ولم يحزن أحد بعد خسارة منتخب جنوب السودان هذه المباراة الأولى أمام نادى توسكار الكينى.. فالمباراة حققت ما كان أهم وأجمل من الأهداف والفوز.
وبعدها انضمت جنوب السودان للاتحاد الإفريقى لكرة القدم فى 2012 ثم الاتحاد الدولى 2013.. إلا أن كرة القدم لم تصمد طويلا أو لم تنجح فى الإبقاء على وحدة البلاد وهدوئها فبدأت فى 2013 حرب أهلية استمرت حتى 2020 وراح ضحيتها أكثر من أربعمائة ألف قتيل.
ورغم أن البلاد أثناء تلك الحرب حققت أكبر انتصار كروى فى تاريخها حين فازت فى 2017 على جيبوتى بخمسة أهداف.. إلا أنه كان انتصارا لم يفرح به كثيرون وسط خراب الكراهية وفواتير الدم.
ولم يعرف جنوب السودان الهدوء والسلام إلا فى فبراير 2020.. وعادت بعدها البلاد لحياتها الطبيعية، وعادت أيضا تلعب كرة القدم.. وفى مساء اليوم.. ولأول مرة.. سيلعب منتخب جنوب السودان مباراة ودية فى استاد القاهرة أمام منتخب مصر.
نقلا عن المصري اليوم