هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي بالنقض
مقتل طبيبِ عظام الساحلِ يدعي أسامة توفيق - طبيبُ عظامٍ بمستشفَى معهدِ ناصر على يد صديقه المتهم أحمد شحته طيب عظام يعمل معه في ذات المستشفي ، وعاملٍ لديهِ بعيادتِهِ، ومحاميةٍ .
وأمرتِ النيابةُ العامةُ بحبسِ المتهمِين الثلاثة احتياطيًّا على ذمةِ التحقيقاتِ الجاريةِ معَهُم؛ لاتهامِهِم بارتكابِ جنايةِ قتلِ عمدًا مع سبقِ الإصرارِ، والتي اقترنتْ بجنايةِ سرقتِهِ بالإكراهِ، وذلكَ بعدما أقرُّوا بتخطيطِهِم لِاستدراجِهِ وتخديرِهِ لسرقتِهِ، ثم دفنِهِ بحفرةٍ في عيادةِ الطبيبِ بعد وفاتِهِ من أثرِ التخديرِ.
حيثُ كانتِ النيابةُ العامةُ قد تلقتْ إخطارًا ان المجني عليه متغيب منذُ اليومِ الرابعِ مِن شهر يونيو الحاري، إذ كان متوجّهًا لعملِهِ وأغلقَ هاتفَهُ واختفَى أثرُهُ، وأنَّ الشرطةَ قد تمكّنتْ باستخدامِ التقنياتِ الحديثةِ مِن تحديدِ آخرِ زمانٍ ومكانٍ تواجدَ بهما، حيثُ كانَ بِرُفقةِ صديقِهِ المتهمِ/ أحمد شحته -، فانتقلتِ الشرطةُ لمقرِّ عيادةِ الأخيرِ بدائرةِ القسمِ، فتبيّنتْ وجودَ آثارِ ترميماتٍ بها وحَفرٍ حديثٍ وأجولةٍ تحوِي مخلفاتِ الحفرِ، فضلًا عن انبعاثِ رائحةٍ كريهةٍ منَ العيادةِ،، إذ تمكنتِ النيابةُ العامةُ أثناءَ المعاينةِ من تحديدِ مصدرِ الرائحةِ الكريهةِ فأمرتْ بالحفرِ تحتَها فعثرتْ على جثمانِ المجنيِّ عليه، وكلَّفتِ الطبيبَ الشرعيَّ بإجراءِ الصفةِ التشريحيةِ عليهِ؛ لبيانِ ما بهِ من إصاباتٍ، وسببِ وكيفيَّةِ وفاتِهِ، مع أخْذِ عيناتٍ منهِ لاستخلاصِ بصمتِهِ الوراثيةِ، وكذا فحصُ آثارِ الدماءِ المعثورِ عليها بالعيادةِ، ومقارنةُ بصمتِهَا الوراثيةِ ببصمةِ المجنيِّ عليه، وفحصُ العقاقيرِ الطبيةِ المعثورِ عليها بالعيادةِ لبيانِ نوعِها، وطلبتِ النيابةُ العامةُ تحرياتِ الشرطةِ حولَ الواقعةِ.
استمعتْ النيابة العامةً لأقوالِ أربعةٍ شهود أكدوا أنَّ الطبيبَ المتهمَ والعاملَ لديْهِ قد اشتريَا موادَّ بناءٍ من حانوتٍ على مقربةٍ من العيادةِ على مدارِ الشهريْنِ الماضيينِ بحجةِ القيامِ بأعمالِ ترميمٍ فيها، وعبواتِ "مياهِ نارٍ" بحجةِ وجودِ انسدادِ بحمامِها، وتوليَا نقلَها دونَ غيرِهِما.
وباستجوابِ المتهمِ صديقِ المجنيِّ عليه أقرَّ أنه لعلمِهِ من عَلاقتِهِ بالمجنيِّ عليه بتيسرِ حالِهِ ماديًّا، ودوامِ حيازتِهِ لعملاتٍ أجنبيةٍ، وبطاقاتٍ ائتمانيةٍ، اتفقَ والمتهميْنِ الآخريْنِ في غُضونِ مايو الماضِي على سرقةِ المجنيِّ عليه بعدَ أنْ تَستدرجَهُ المحاميةُ إلى وَحدةٍ سكنيةٍ يستأجرُها العاملُ بحجةِ توقيعِ كشفٍ طبيٍّ منزليٍّ فيها، حيثُ يُخدّرُهُ هوَ والعاملُ ويقومانِ بسرقتِهِ، ونفاذًا لمخططِهِم اشترتِ المحاميَةُ عقَّارًا مخدِّرًا وصفَهُ الطبيبُ لها، ثم في الثالثِ من الشهرِ الجاري طلبتِ المحاميةُ من المجنيِّ عليه الكشفَ الطبيَّ المدعَى، وحدَّدَ العاملُ بالعيادةِ عنوانَ الوَحدةِ السكنيةِ المستدرجِ إليها، فقصدَهَا المجنيُّ عليهِ في اليومِ التالي، وفورَ وصولِهِ إليها برفقةِ العاملِ، قيّدَهُ الطبيبُ والعاملُ وحقنَاهُ بالمخدِّرِ فأغشِيَ عليهِ، وسرقَا حافظةَ نقودِهِ وبطاقاتِ الائتمانِ التي بحوزتِهِ، وأغلقَا هاتفَهُ وأتلفَاهُ خشيةَ تتبعِهِ، ولما بدأَ يستعيدُ وعيَهُ حقناهُ بالمخدِّرِ مرةً أخرَى ونقلاهُ لعيادةِ المتهمِ بالساحلِ فجرَ اليومِ التالي خشيةَ افتضاحِ أمرِهِما، إذ أخفيَاهُ فيها داخلَ حفرةٍ كانا قد أعدَّاهَا سلَفًا- ادَّعى الطبيبُ المتهمُ إعدادَها لتخزينِ أدويةٍ فيها لبيعِها لاحقًا- ولمَّا استعادَ المجنيُّ عليهِ وعيَهُ حينئذٍ، وحاولَ الاستغاثَةَ خدَّرَهُ الطبيبُ مرّةً ثالثةً وتركَهُ دونَ مأكلٍ أو مشربٍ ليوميْنِ متتابعيْنِ حتى تُوفّيَ، فدفنَهُ هو والعاملُ داخلَ الحفرةِ وفرَّا هاربيْنِ.
هذا، وقد أكَّدَ العاملُ لدى المتهمِ والمحاميةُ ذاتَ إقرارِ الطبيبِ خلالَ استجوابِهِما، وأشارَ العاملُ إلى أنَّ الطبيبَ أفهمَهُ أنَّ الغرضَ مِنِ استدراجِ المجنيِّ عليه هو الانتقامُ منه لخلافٍ بينَهُما، وأكدتِ المحاميةُ أنَّ قصدَ الطبيبِ والعاملَ من حفرِ الحفرةِ بالعيادةِ قبلَ الواقعةِ بفترةٍ هو قتلُ المجنيُّ عليه والتخلصُ مِن جثمانِهِ بدفنِهِ فيها بعدِ سرقةِ أموالِهِ، أو طلبِ فديةٍ مِن ذويهِ نظيرَ إطلاقِ سراحِهِ، وقد أجرَى المتهمانِ الطبيبُ والعاملُ محاكاةً مصورَةً لكيفيةِ ارتكابِهِما الجريمةَ داخلَ الوَحدةِ السكنيةِ التي استدرجَ المجنيُّ عليه إليها، والعيادةِ التي عُثِرَ على جثمانِهِ بها.
وعلى هذا أمرتِ النيابةُ العامةُ بحبسِ المتهمينَ الثلاثةِ احتياطيًّا على ذمةِ التحقيقاتِ؛ لاتهامِهِم فيها بقتلِ المجنيِّ عليه عمدًا مع سبقِ الإصرارِ المقترِنِ بسرقتِهِ بالإكراهِ، وجارٍ واستكمالُ التحقيقاتِ.ص
فِي تقديري توافر النية الإجرامية من قبل المتهمين واتفاقهم فيما بينهم على ارتكاب تلك الجريمة التي لا تقتضى فى الواقع أكثر من تقابل إرادة المساهمين ولا يشترط لتوافره مضى وقت معين ومن الجائز عقلاً وقانوناً أن تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة أو لحظة تنفيذها تحقيقاً لقصد مشترك بين المساهمين هو الغاية النهائية من الجريمة أي أن يكون كلًّ منهم قد قصَد قصْدَ الآخر فى إيقاع الجريمة وأسهم فعلاً بدور فى تنفيذها بحسب الخطة التي وضعت أو تكونت لديهم فجأة ، وأنه يكفى فى صحيح القانون لاعتبار الشخص فاعلاً أصلياً فى الجريمة أن يساهم فيها بفعل من الأفعال المكونة لها. وإن وقائع هذه الجريمة تتوافر بها كافة العناصر القانونية للجرائم التي ارتكبها المتهمين، وهي كافية بذاتها للتدليل على اتفاق المتهمين على ارتكاب الجرائم ومعينهما فى الزمان والمكان ونوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم وجهة واحدة فى تنفيذها وأن كلاً منهم قد قصَد قصْدَ الآخر من إيقاعها وقارف فعلاً من الأفعال المكونة لها ، ومن ثم يصح طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات اعتبار كلًّ منهم فاعلاً أصلياً فى ارتكاب تلك الجرائم.
وأن ما اقترفه المتهمين بقتلِ الطبيبِ المجنيِّ عليهِ/ أسامة توفيق يشكل جريمةً عمدًا مع سبقِ الإصرارِ، والتي اقترنتْ بجنايةِ سرقتِهِ بالإكراهِ، وذلك وفقاً للمادتين ( 230 ، 234 /3 ) من قانون العقوبات التى أوجبت عقوبة الإعدام بكل من قتل نفساً عمداً مع سبق الإصرار أو الترصد، حيث تنص المادة "230" كل من قتل نفساً عمداً مع سبق الإصرار أو الترصد يعاقب بالإعدام، فالجناة بيتوا النية وعقدوا العزم على إزهاق روح المجني عليه، وقاموا باستدراجه وما أن ظفروا به نفذوا جريمتهم النكراء ، وأن هذه مثل الأفعال الإجرامية من قبل الجناة تعد جريمة شنعاء يندي لها الجبين وانعدمت منهم الإنسانية والرحمة، وليس للقتلة ثمة أيّ مبرر لإزهاق روح إنسان بريء.
وبحسب "صبرى" في تصريح لـ"برلماني": فقد فرق قانون العقوبات فى العقوبة بين القتل المقترن بسبق الإصرار أو الترصد، وبين القتل دون سبق إصرار وترصد، فالأولى تصل عقوبتها للإعدام وفقاً للمادة 230 عقوبات، والثانية السجن المؤبد أو المشدد، وتنص المادة 234 /3 من قانون العقوبات على أن: "من قتل نفساً عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة ومع ذلك يحكم على فاعل هذه الجناية بالإعدام إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى، حيث إن المتهمين ارتكبوا جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار مقترنة بجناية سرقة بالإكراه ضد المجنى عليه، واستخدم المتهمون طمعهم وكبرياء ذاتهم فى قتل المجني عليه، ويجب عدم استخدام الشفقة أو الرحمة مع هؤلاء القتلة.
وتجدر الإشارة أن سبق الإصرار ظرف مشدد لجريمة القتل العمد:
1- توافر ظرف سبق الإصرار لدى المتهمين بارتكابهم جريمتهم بعد أن تسنى له التفكير في هدوء وروية، ولمحكمة الموضوع أن تستنتجه من وقائع الدعوى وملابستها والظروف المحيطة بها والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجناة وتنم عما يضمرون فى أنفسهم، والتخطيط المسبق والتصميم على ارتكاب الجريمة.
ويقوم ظرف سبق الإصرار على عنصرين:-
الأول: نفسي وهو إمعان التفكير فيما عزموا عليه ورتبوا وسائله وتدبير عواقبه ثم الإقدام على فعل القتل وهذا العنصر يمثل فى الواقع ذات الإصرار.
والثاني: زمني لسبق الإصرار يقتضي مرور فترة من الوقت بين نشوء سبب الجريمة فى ذهن الجناة وعزمهم عليها وبين تنفيذهم ومقدار المدة الزمنية بما يحقق العنصر الأول أي يهيئ للجناة فى حالة من الهدوء النفسي تسمح بأن يقال إنه ارتكبوا الجريمة بعد تدبر، وفِي الجريمة الماثلة كان القتل وسبق الإصرار عليه مختمراً فى ذهنهم حيث قام المتهمين بالتخطيط لجريمتهم وما أن ظفروا به حتى قاموا بمباغتته قاصدين إزهاق روحه ومن ثم توافر ظرف سبق الإصرار قبل المتهمين.
جدير بالذكر أن تحقق ظرف سبق الإصرار يكفي لتشديد العقوبة للإعدام، والترصد يخضع فى إثباته للقواعد العامة فهو واقعة مادية ويثبت عادة بالاعتراف وبشهادة الشهود، وهذه الجريمة أحدثت حالة من الصدمة والحزن الشديدين لدي الكثيرين.
وبناء عليه سيتم إحالة المتهمين الثلاثة لمحاكمة جنائية عاجلة، بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار المقترنة بجنايةِ سرقتِهِ بالإكراهِ، وذلك وفقاً للمادتين ( 230 ، 234 /3 ) من قانون العقوبات وعقوبتها الإعدام شنقاً، وذلك لتحقيق الردع العام، ولمنع كل من تسول له نفسه العبث بحياة المواطنين الأبرياء، وحماية المجتمع من هذه الجرائم البشعة التي تهدد أمن وسلامة المجتمع.