بقلم/ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية الآرثوذكسية يوم 13 بؤونة حسب التقويم القبطي الموافق 20 يونية حسب التقويم الميلادي بتذكار رئيس الملائكة جبرائيل بحسب النطق العربي أو غبريال بحسب النطق اليوناني والقبطي . وجبرائيل أسم عبراني معناه "قوة الله "أو جبروت الله " وهو حسبما ورد في سفر الرؤيا واحد من السبعة رؤساء الملائكة الواقفين أمام الله في السماء (رؤيا 1: 4)؛
(3: 1 )؛(4 :5 ) ؛ (8 : 2 ) أما أسماء السبعة الملائكة حسبما ورد في كتاب التسبحة القبطية فهم ( ميخائيل – جبرائيل - رافائيل –سوريال – سيداكيئيل – ساراثيئيل – أنانيئيل ) وجبرائيل هو نفسه الملاك الذي ورد أسمه في القرآن الكريم تحت أسم "سيدنا جبريل " . ولقد ورد أسم الملاك جبرائيل في الكتاب المقدس بعهديه ؛ ففي العهد القديم ورد أسمه في سفر دانيال ( دانيال 8 : 15 – 19 ) ؛(دانيال 9 :20 ؛22 ) ؛( دانيال 10 : 10- 14 ) وفي العهد الجديد ورد أسمه في أنجيل لوقا (لوقا 1 :13 ؛14 ) وهو الملاك الذي بشر السيدة العذراء بميلاد السيد المسيح (لوقا 1 : 26 – 35 )وهكذا عرف الملاك جبرائيل عند الأقباط أنه الملاك المبشر بالأخبار المفرحة ومن ألقابه التي لقب بها في كتب الكنيسة (ملاك السلام ) ؛ (ملاك البشارة المفرحة ) ؛(ملاك الولادة ) ؛ (ملاك الحياة ) ؛ (ملاك الفرح ) ..... الخ . ويرسمه الفنان القبطي عادة وهو يحمل زنبقة كرمز له ؛كما يصورنه وهو يحمل صولجانا ومعه لفافة من البردي مكتوبة عليه هذه العبارة سواء باللغة القبطية أو العربية "السلام لك يا مريم يا ممتلئة نعمة " وهي التحية التي حياها بها الملاك عندما بشرها بميلاد السيد المسيح حسبما وردت في أنجيل لوقا ( لوقا 1 : 28 ) . وفي تقليد الكنيسة القبطية وسائر الكنائس الرسولية أنه هو نفسه الملاك الذي ظهر للمجوس وللرعاة في قصة الميلاد . كذلك هو نفسه الملاك الذي رافق العائلة المقدسة في رحلتها المباركة إلي أرض مصر . وتصفه كتب الكنيسة القبطية الآرثوذكسية بأنه (الملاك الروحاني والخادم الملتهب نارا ؛الواقف أمام الرب القادر علي كل شيء ؛يسأل عن جنس البشر في كل حين ) . وهو يعتبر شفيعا خاصا للعذاري والمتبتلين وللراغبين في تكريس ذواتهم للله ؛ وهو أيضا حاميا للأمومة والطفولة ؛ومعينا للباحثين عن الحق والعاملين من أجل الحق؛ وهو مغيثا للخطباء والشعراء .... الخ ) . وللملاك جبرائيل أعياد أخري في الكنيسة القبطية نذكر منها 13 هاتور ؛ 22نذكر منها 22 كيهك ؛ ؛30 برمهات . أما الروم الأرثوذكس فيحتفلون بعيده يوم 26 مارس .
ومن أشهر الأديرة لقبطية التي علي أسم الملاك جبرائيل أو غبريال ؛يأتي دير الملاك بالفيوم والشهير بدير الملاك أبو خشبة في المقدمة . أما عن السبب في تسمية "أبو خشبة " فهناك رأيان ؛الرأي الأول يرجع التسمية إلي وجود خشبة في سقف الكنيسة لها علامة تشير إلي فيضان النيل ؛ فإذا كان الفيضان كبيرا والسنة رخاء ينزل منها ماءا كثيرا ؛أما إذا كان الفيضان ضعيفا والسنة قحطا يظهر منها ماءا مثل العرق الخفيف . أما الرأي الآخر فيري أن خشبة الصليب المقدسة التي صلب عليها السيد المسيح قد قسمت علي الكراسي الرسولية الخمسة( أورشليم – أنطاكية – الإسكندرية – روما – القسطنينية ) أيام الأمبراطور قسطنطين .وأن الجزء الخاص بالكنيسة القبطية "كنيسة إسكندرية" قد نقل إلي الفيوم ؛ووضع بدير الملاك أبو خشبة. وفي التقليد الرهباني في الدير أن هذه الخشبة مدفونة تحت أحد الأعمدة الأثرية بالدير . وترجع تاريخ الرهبنة في هذا الدير إلي القرن الرابع الميلادي ؛ ولقد وجد مخطوط عثر عليه في دير الأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر تحمل رسالة من القديس العظيم الانبا أنطونيوس إلي رهبان أديرة الفيوم ؛ ولقد زار القديس الأنبا أنطونيوس رهبان جبل النقلون بالفيوم أكثر من مرة .وتذكار تدشين وتكريس كنيسة ودير الملاك غبريال يقع في 26 بؤونة من الشهر القبطي . ولقد قامت إلي جوار الكنيسة ومن حولها قلالي "صوامع " لرهبان ونساك كثيرون .وكانت مزارا مقدسا للعديد من الزوار المصريين والأجانب عبر كل العصور .
ولقد ذكر المقريزي في كتابه تحت أسم دير النقلون "ويقال له دير الخشبة أو دير غبريال الملك وهو تحت مغارة في الجبل الذي يقال له :طارف الفيوم .وهذه المغارة تعرف عندهم بمظلة يعقوب حيث يزعمون أن يعقوب عليه السلام لما قدم مصر كان يستظل بها . ولهذا الدير عيد يجتمع فيه نصاري الفيوم وغيرهم ؛وهو علي السكة التي تنزل إلي الفيوم " ( تاريخ الأقباط للعلامة المقريزي ؛دراسة و وتحقيق د. عبد المجيد دياب ؛ دار الفضيلة ؛ ص 163 ) أما الرحالة الألماني الشهير فانسليب ( 1635- 1679 ) فقال عنه في كتابه "تقرير الحالة الحاضرة لمصر 1671 " " في دير الخشبة نحو الغرب ؛كنيسة الملاك :غبريال " ( المرجع السابق ذكره ؛ترجمة وديع عوض ؛تقديم محمد عفيفي ؛ المجلس الأعلي للثقافة ؛ المشروع القومي للترجمة الكتاب رقم 1005 ؛ ص 154 ) . كما ذكره القمص عبد المسيح المسعودي البراموسي في كتابه الشهير "تحفة السائلين في ذكر أديرة الرهبان المصريين " فقال عنه دير النقلون ويقال له دير الخشبة . ودير الملاك غبريال بعزبة قلمشاه . وفيه كنيسة الملاك غبريال .وليس فيه الآن رهبان" (هذا كان وقت كتابة القمص عبد المسيح المسعودي لهذا الكتاب ؛ أما الآن فلقد قام قداسة البابا شنودة الثالث – نيح الله نفسه في فردوس النعيم - بإعادة الحياة الرهبانية للدير وكان ذلك في يوم 29 يونية 1999 ؛وحاليا يوجد به حوالي 40 راهبا ) . ويوجد بالدير مجموعة من الرسوم الجدارية الرائعة يرجع تاريخها حسب تقدير العلماء إلي القرن التاسع والعاشر الميلادي ؛كما يوجد أربع أيقونات أثرية داخل الكنيسة الموجودة بالديرمنها أيقونة لرئيس الملائكة غبريال يرجع تاريخها للقرن التاسع عشر ؛ كذلك أيقونة أثرية للسيدة العذراء تحمل السيد المسيح ومكتوب عليها تاريخ 1573 ش / 1857م وقام برسمها الفنان أنسطاسي الرومي .
ولقد قامت البعثة البولندية بجامعة وارسو برئاسة عالم الأثار د .جودلفسكي بعمل حفريات حول المنطقة المحيطة بالدير أكتشفوا خلالها العديد من المغائر المخصصة لسكن الرهبان . .
ومن الاكتشافات المثيرة التي تم العثور عليها بالدير أجساد ما يعرف ب"شهداء الفيوم " وقصة العثور عليها ترجع إلي عام 1991 وبالتحديد في يوم 28 يوليو 1991 حيث كان علماء الآثار يحفرون بالدير لعمل خزان صرف صحي فوجدوا أجساد ثلاثة شهداء تدل ملابسهم أنهم من الرهبان ؛ وأستمر العلماء في الحفر حتي عثروا في يوم 25 أغسسطس من نفس العام علي مجموعة أخري من الأجساد ؛بعضها محفوظ في صناديق قديمة مصنوعة من الجريد ؛وبعضها الآخر مدفون في الرمال بدون صناديق ؛وفي يوم 1 سبتمبر تم اكتشاف جسد طفل موضوع داخل صندوق ويبدو من منظر جسده أن طريقة استشهاده كانت الخنق ؛حيث كان لسانه خارجا من فمه . وصار هذا اليوم الموافق 1 سبتمبر عيدا سنويا لهؤلاء الشهداء الذين لم يستدل علي أي معلومات عنهم سواء قصة حياتهم أو علي يد من الحكام قد استشهدوا ؛ولكن من خلال ملابسهم الخاصة تبين لهم أنهم من الآباء الرهبان الذين عاشوا في هذ البرية ؛ كذلك من خلال آثار التعذيب علي أجسادهم . فأحد الأجساد مطعون بطعنات كثيرة بآلة حادة مثل سكين أو سيف ؛ وآخر بطنه محروقة ؛ وآخر رأسه مقطوعة ؛ كما وجد أحد الآباء في صندوق جريدي وبيديه حلقات من الحديد والمعدن .
ومن الكنائس الشهيرة التي علي أسم الملاك غبريال كنيسة الملاك غبريال بحارة السقايين . وقصة بناؤها كما يذكر علي باشا مبارك في كتابه "الخطط التوفيقية " الجزء السادس ترجع إلي البابا كيرلس الرابع البطريرك ال 110 ( 1816- 1861 ) والملقب بأبي الإصلاح حين سعي إلي بناء كنيسة بحارة السقايين بجوار المدرسة التي قام ببنائها هناك للبنين والبنات " وكانت أول مدرسة لتعليم البنات في القطر المصري وتسبق مدرسة السنية "؛ فطلب من الخديوي سعيد باشا التصريح له ببناء الكنيسة فوافق الخديوي وصدر التصريح في 26 نوفمبر 1854 ؛ وفي يوم 21 فبراير 1858 أفتتح البابا كيرلس الرابع المبني المؤقت للصلاة بالكنيسة ؛ وتم إستكمال بناء الكنيسة علي شكلها الحالي في عصر البابا كيرلس الخامس البطريرك ال 112 وكان ذلك في عام 1881 م .