القمص يوحنا نصيف

(مقال منشور في عدد الكرازة الأخير، الصادر يوم الجمعة 16 يونيو 2023م)
لقد صار الكلمة جسدًا، وحلّ فينا (يو1: 14)، لكي يفتح لنا الطريق لأن يكون لنا علاقة حيّة مع الثالوث القدّوس.
 فباتحادنا بالابن، نصير أبناء الآب بالتبنّي، وهيكلاً لروحه القدّوس..
 
هذا هو مستوى الغِنى في المسيحيّة.. غِنى على مستوى إلهي..
 
لقد أرسل الله روحه للكنيسة لكي يسكن فينا، ويربطنا به كأبناء.. ويقود خطواتنا في طريق الحياة الأبديّة..
 
وعندما يتدفّق الروح في داخلنا، تنمو فينا الصفّات الإلهيّة.. فنمتلئ بالمحبّة، وبالوداعة، وبالحكمة، وبالقداسة، وبالسلوك حسب الحقّ.. فالروح الساكن فينا يشكّلنا لنكون على صورة ابن الله الوحيد، الذي نحن متّحدون به كأعضاء في جسده..!
 
وكلّما نتّضع أكثر، ونصلّي طالبين الملء بالروح، كلّما نتيح فرصة أكبر لحركة الروح القدس داخلنا..!
 
 أبناء الله، انشغالهم الأوّل هو "الامتلاء بالروح"، ليكونوا مُشابهين لله.. ولا يرتبكون بهموم العالم وشهواته وبهرجته، ولا بإدانة الناس، ولا بالمباحثات الغبيّة والسخيفة التي تولّد الخصومات فإنّ "عَبْدُ الرَّبِّ لاَ يَجِبُ أَنْ يُخَاصِمَ، بَلْ يَكُونُ مُتَرَفِّقًا بِالْجَمِيعِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ، صَبُورًا عَلَى الْمَشَقَّاتِ.." (2تي2: 24).
 
"الامتلاء بالروح" هو وصيّة إنجيليّة: "لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل امتلئوا بالروح" (أف5: 18).. وهو عمليّة مستمرّة، يجاهد فيها أولاد الله ضدّ كلّ ألوان الخطيّة، بالصلاة والشبع بالإنجيل.. وهذا الامتلاء هو الذي يحفظ لنا علاقتنا بالثالوث، حيّة ونامية.. وهو الذي يجعلنا أقوياء، ونسير حسب مشيئة الله، ونمجّده ونشهد له بأعمالنا وأقوالنا..
 
ونحن نعيش في أجواء صوم آبائنا الرسل الأطهار، الذين امتلأوا بالروح، وكانوا أنوارًا أضاءت المسكونة كلّها بالكرازة بقوّة الروح القدس.. نحتاج أن نتذكّر أنّ الروح في داخلنا هو مصدر قوّتنا ورأس مالنا.. حتّى لا ننشغل بأمور جانبيّة، ليست بقيمة ما من جهة إشباع البشريّة (كو2: 23).. كما يؤكِّد لنا القدّيس كيرلّس الكبير، وهو يتحدّث عن غِنى الروح القدس ونعمة البنوّة لله التي نُلناها في سرّ المعموديّة:
 
 أخذوا السلطان من الابن لكي يكونوا "أولاد الله" فنالوا ما لم يكُن لهم من قَبْل، بواسطة "نعمة التبنِّي". وبدون أيّ تشكُّك يُضيف الإنجيلي (يوحنا) "وُلِدوا من الله"، لكي يوضِّح عِظَم النعمة التي أُعطِيَتْ لهم، ويجمع ذلك الذي كان غريبًا عن الله الآب (الإنسان)، ليُدخِله في قرابة الطبيعة معه، ويرفع العبد إلى كرامة سيّده، بواسطة محبّة الرب القويّة للإنسان.
 
 هذا يجعلنا نرتفع من رتبة العبوديّة إلى البنوّة. وبالاشتراك الحقيقي في الابن، دُعِينا إلى أن نرتفع إلى كرامة الابن. لذلك فنحن الذين أخذنا الولادة الجديدة بالروح القدُس بالإيمان، قد دُعينا أبناء لأنّنا وُلِدنا من الله.
 
   نحن مستحقّون بالإيمان بالمسيح أن نكون شركاء الطبيعة الإلهيّة (2بط1: 4)، ومولودين من الله، ومدعوّين آلهة.. يَسكُن الروح القدس فينا، وهو ما جعل الرسول بولس يدعونا هيكل الله (1كو3: 17)..
 
أليس واضحًا للجميع أنّ الله نزل إلى مستوى العبوديّة، دون أن يفقد ما يخصّه كإله. بل مانحًا ذاته لنا، لكي بفقره نصير أغنياء (2كو8: 9).