د. أمير فهمي زخارى المنيا
المتأمل في استخدام الأرقام لدى الشعب المصري نجد كثيرا من الطرائف التي تتعلق بالاستخدام ولا تتعلق بالرقم ذاته، وإنما ما حدث أن الاستخدام الأول صار كالمثل السائر، يستخدمه الإنسان بصورته التي وضع عليها دون تغيير أو تفكير في سبب اختيار ذلك الرقم..
الجزء الأول النهاردة هنعرف ثلاثة من الأمثلة دى:
1. 100 فل و14
2. قصة ابن 60 كلب
3. في ستين داهية
1-100 فل و14
يستخدم المصريون الأمثال الشعبية في مختلف مواقف حياتها اليومية، فهيا ذات طبيعة خاصة تضفي المنطق والطرافة في الوقت ذاته على الكلام ومن أشهر الأمثلة التي يرددوها “مية فل و14” فـ إليك الحكاية
فيقال صحته ١٠٠ ١٠٠، أو انا مبسوط وكله ١٠٠ ١٠٠، أو أنا شارب وواكل ١٠٠ ١٠٠ الخ، وطبعا مفيش اطلاقا ٩٠ ٩٠ او ٦٠٠ ٦٠٠ الخ من أوصاف ذاتية.
يعود أصل الحكاية منذ عصر الفراعنة، وذلك يثبت أن مهما تقدم بنا الزمن فنحن نعود الى جذورنا مرة أخرى في عادتنا وطباعنا، وحتى الكلام، ويستخدم معظم المصريين، جملة «ميت فل و14»، تعبيراً عن كمال ما يتحدثون عنه إن كان إنسان، سيارة، أو حتى موقف أو ردة فعل.
ويرجع السر وراء هذه المثل، إلى رسومات من عصر الحضارة الفرعونية، فكان لكل كائن عدد محدد من المربعات من غير الجائز الخروج عنها، فكان يرسم طول الإنسان العادي في الرسومات ١٩ مربعًا، ويكون عرضه ٦ مربعات، أي أن ٦ ×١٩ = ١١٤ فجاءت هذا المثل من هنا، على كل الأمور التي تمتاز بالكمال أو المثالية، مية فل و14.
2- قصة ابن 60 كلب
عند السب والقذف يظهر الرقم (٦٠) ليكون هو الرقم الرسمي في ذلك فيقال فلان ابن ٦٠ كلب، ولا يجوز ابن ٤٠ كلب مثلا، او ابن ١٠٠٠ كلب على سبيل زيادة السب، وإذا أردنا زيادة السب فما علينا سوى استخدام ال ٦٠ ثم ضربها في ٧٠ فيقال هو ابن ٦٠ في ٧٠ وليس في ٨٠ او ٩٠ لان ذلك يبطل مفعول السب!
ونرجع تانى لرسم الفراعنة زمان
تم رسم الكلب في الحضارة المصرية القديمة داخل المربعات وجد أن ارتفاعه عبارة عن 6 مربعات وطوله 10 مربعات، وعندما نقوم بضرب الرقمين سنجد أن الناتج سيكون 60 مربعا، وهو حجم الكلب لذا نقول «ابن 60 كلب» وليس رقمًا آخر.
3- قصه في ستين داهية
ويكون الرقم ٦٠ لوصف العدد اللازم لما يصيب الانسان المؤذي من مصائب ودواهي فيقال: اهو غار في ٦٠ دهيه او فلان هيروح في ٦٠ دهيه لإنسان قد يتعرض لكارثة حكومية وطبعا مفيش ٢٠ دهيه ولا حتى غار في ٩٠٠ دهيه.
في ستين داهية هي جملة شائعة تقال لإظهار أنك غير مهتم لخسارة شيئًا أو شخصًا فتقول “راح في داهية”، ولكن وراء كل مثل قصة وحكاية وإليكم القصة وراء هذا المثل.
أصل الكلمة
قيلت لأول مرة على لسان الصحابي (قيس بن المكشوح) الذي كان ينتمي إلى قبيله تسمى مذحج وكان هناك معارك كثيرة بين قبيلته وقبيلة تسمى همدان في اليمن وكانت قبيلته عادة تُهزم في هذه المعارك.
لذا قرر قيس أن يثأر لقبيلته وقام بقتل 60 شيخًا من قبيلة همدان وعندما سُئِل عن سبب قتله لهؤلاء الشيوخ أجاب بجملة مختصرة حملت الكثير من المعاني وهي “في ستين داهية” أي أن كل من قتلهم قد ماتوا مقابل موت ستين داهية من دواهي قبيلته.
وهكذا كعادة العرب في نقل الأخبار والأقوال والمأثورات عن بعضهم تم تداول المقولة وعلى الرغم من ذلك تناقلت الناس المقولة على سبيل التعبير عن عدم الاهتمام واللامبالاة على ما ضاع أو فات وليس للمعنى الأصلي لها الذي ورد على لسان قيس بن مكشوح والذي كان يرمز إلى المقابلة والتساوي في مقدار حجم الخسائر فالهمدانيون الذين ماتوا ماتوا في مقابل ستون رجل من كبار مشايخ قبيلة محج وهو ما يعني في ستين داهية.
والى اللقاء في لغة الأرقام ودلالاتها "الجزء الثانى"... تحياتي...
د. أمير فهمي زخارى المنيا