ياسر أيوب
ليس هناك فى العالم كله من يستطيعون منافسة أهل أمريكا اللاتينية فى عشقهم للحياة.. وقادهم هذا العشق لأن يختلفوا تماما عن بقية شعوب العالم فى غرامهم وكتاباتهم ورواياتهم وأشعارهم وموسيقاهم ورقصاتهم وأغانيهم وطعامهم وألوانهم.. ولم تكن كرة القدم استثناء فى تاريخهم وحياتهم إنما أحبوها ومارسوها وشجعوها بنفس العشق والجنون.. وأكد كتاب ونقاد كرويون كبار أن اللاتينيين لا يلعبون الكرة بأقدامهم لكن بقلوبهم وترقص معها أقدامهم.. وهم يلعبون دون أن تعنيهم النتائج قدر استمتاعهم باللعب، تماما مثلما يرقصون ويكتبون ويغنون ويأكلون حتى وهم وحدهم.. ولم يكن هذا الاندفاع اللاتينى فى عشق الحياة يزيدها جمالا طوال الوقت إنما كان أحيانا يجعلها أكثر قبحا.. ولهذا كان من الطبيعى أن تشهد أمريكا اللاتينية أول جريمة قتل كروية.. ففى 21 كتوبر 1922.. وفى استاد تيرو فيديرال فى مدينة روزاريو.. كانت هناك مباراة فى الدورى المحلى بين نادى تيرو ونادى نيويل.
وطيلة الشوط الأول ظل اثنان فى المدرجات يتبادلان النقاش والشجار والصراخ أيضا حول ما يجرى فى الملعب.. إنريك باتوك العامل فى السكة الحديد واللاعب والإدارى السابق فى نادى تيرو، وفرانسيسكو كامبا المشجع المتعصب وأمين صندوق نادى نيويل.. وفى الشوط الثانى كان باتوك قد بدأ يضيق بصراخ فرانسيسكو وتعليقاته المتعصبة وطلب منه أن يهدأ ويسكت.. ولم يستجب فرانسيسكو رافضا أن يكتفى بالفرجة وتشجيع فريقه فى هدوء دون توجيه أى إهانة لفريق تيرو، فما كان من باتوك إلا أن وجه لكمة قوية لفرانسيسكو.. واختفى فرانسيسكو من المدرج لبعض الوقت ثم عاد بعد قليل حاملا بندقية وأطلق النار وقتل باتوك الذى أصبح أول مشجع فى تاريخ كرة القدم يموت فى مدرج أحد ملاعبها.
ووقتها أوضحت صحيفة لا كابيتال المحلية فى روزاريو الفارق بين حادثة مقتل باتوك وحادثة أخرى سبقتها بثلاثة أشهر، حين مات أحد المشجعين بعد سقوطه من أعلى المدرج لخارج الملعب.. فهذا المشجع مات نتيجة سقوطه من ارتفاع شاهق بينما كان باتوك ضحية أول جريمة قتل فى ملاعب الكرة مع سبق الإصرار والترصد.. ومات باتوك قبل أن يحتفل بفوز فريقه نيويل بالمباراة بهدفين نظيفين.. وتحولت هذه الحكاية فيما بعد إلى نقطة مهمة لا بد أن يبدأ عندها أى باحث يريد مناقشة العنف وكرة القدم، ولماذا ارتبطت هذه اللعبة تحديدا دون باقى الألعاب الأخرى بهذا العنف الذى قد يصل إلى الموت وإراقة الدماء.. ولم يتفق الباحثون طيلة عقود على تفسير واضح ومحدد يمكن الاكتفاء به.
لكنهم أكدوا أنه كان طبيعيا أن تكون الدماء الأولى فى أحد الملاعب اللاتينية، رغم أن أوروبا كانت هى التى شهدت أول حالة شغب كروى فى تاريخ اللعبة.. ففى 1885 أقيمت مباراة ودية بين نادى بريستون نورث إند ونادى أستون فيلا.. وفاز بريستون بخمسة أهداف نظيفة ولم تتحمل جماهير أستون فيلا هذه النتيجة فألقت الحجارة واعتدت بالعصىّ على لاعبى الفريقين والحكم.
نقلا عن المصري اليوم