د. سامح فوزى
لم يطل اعتقاد أو نظرية أو مبدأ من افتراء قدر ما أصاب الأديان، سواء على أيدي المؤمنين بها أو الرافضين لها. يفعل المتعصبون رذائل يتصورون بها أنهم يَزودون عن الإيمان، ويجترئ عليها لا دينيون بهدف تقويضها، وهناك فريق يستخدم الكراهية لتحقيق أغراض سياسية ذاتية.
هذه المسألة لها أبعاد دولية وإقليمية ومحلية. فقد أقدم شاب على حرق المصحف إبان احتفال المسلمين بعيد الأضحي، وأشعل موجات من الغضب في شتى أرجاء العالم طالت السويد- البلد الذي يعيش به، وسمحت سلطاتها بهذا الفعل المشين. وفي أعياد مسيحية يتلذذ البعض بتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي تنضح كراهية، يتهم فيها المسيحيين بالكفر، ويدعو المسلمين إلى رفض تهنئتهم بالعيد. ونجد شابًا آخر يسب الناس المختلفين معه على اليوتيوب، ويؤلب الناس في العالم العربي على دولهم، يرتدي مسوح المعارضة السياسية، لكنه يدعو إلى قتل المعارضين، والمختلفين معه، بدعوى أن ذلك من الجهاد في الإسلام. وشباب آخرون، مسلمون ومسيحيون، يفتقرون إلى البناء الثقافي، ينزلقون في نقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي يطعنون في أديان بعضهم بعضا، ويزدرون معتقدات بعضهم بعضًا دون اعتبار إلى شراكة المواطنة التي تجمعهم، وهم يتصورون أنهم ينصرون دينهم، في حين أنهم يخلفون وراءهم ركامًا من التعصب والكراهية.وإن كان لكل تخصص مدافعون عنه، فلا يمارس الطب إلا طبيب، ولا يعمل بالهندسة إلا مهندس، ولا يمثل أمام المحاكم إلا محام، ولكن الدين يفتي فيه كل من هب ودب، ويدلون بآرائهم وسخافاتهم، ويُحملون الدين ما لا طاقة له به. منذ وقت قريب شاع مصطلح آداب الحديث في الشأن العام، وكان الغرض منه لفت الأنظار إلى أن الحديث في قضايا الدين في الشأن العام ينبغي أن يكون من خلال متخصصين. ولكن يبدو أنه من الضروري أن نٌذكر دومًا بأهمية الكف عن السجالات الدينية التي تشيع الكراهية، ونلتزم بآداب الحديث في العلاقة بين أهل الأديان، ومواجهة الاعتقاد بأن أهل الدين يتقربون إلي الله بكراهية المختلفين معهم في المعتقد. ولكن ما يلفت الانتباه أن الكراهية مقصودة، يجري صناعتها بحرفية، بغية أهداف سياسية بعيدة. فقد لاحظت أن صعود وهبوط موجات السجال الديني، والتحريض الطائفي، ونشر الآراء السلبية في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في مصر، يرتبط في المقام الأول بتقلبات السياسة. فقد بلغ التسخين الطائفي ذروته قبل 25 يناير 2011، عبر جملة من أحداث التوتر الديني مثل أحداث العمرانية، ثم حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية، ورافق ذلك خطابات شديدة التعصب في المجال العام. بالتأكيد كان التيار الإسلامي وراء ذلك، لأنه يعرف أن جانبًا من جماهيريته تأتي من بوابة كراهية غير المسلمين، والتحريض على المسلمين المختلفين معه فكريًا وسياسيًا. نفس الأمر يجري تخليقه هذه الأيام في ظل بيئة سياسية تشهد حراكًا يفرضه الاستعداد لانتخابات رئاسية قادمة، وحوار وطني قائم، وتحديات اقتصادية، وتأخذ صناعة التوتر الديني عدة صور منها ظهور فيديوهات على مواقع التواصل تشمل طعنًا في عقائد الآخرين تشعل موجات غضب، والانخراط في نقاشات حول أفضلية معتقد على آخر، ونشر قصص عن حالات تغيير المعتقد الديني، وغير ذلك، وهي تعبر عن مساع من جانب تيارات دينية تهدف إلى زعزعة الاستقرار، وإضفاء مزيد من التوتر الديني في المجتمع، إلى جانب التفاعلات السياسية، والضغوط الاقتصادية.
من هنا ينبغي الانتباه إلى خطورة محاولات خلق توتر على الصعيد الديني في ظروف حراك سياسي وتحديات اقتصادية، ورغم أن العديد من عوامل التوتر الموروثة خفت حدتها كثيرا، إلا أنه لا تزال هناك اتجاهات تريد أن تنكأ الشأن الديني في إطار مشروعها السياسي المناهض للدولة الوطنية. لا أعتقد أن الفورات الطائفية التي تطفو على سطح وسائل التواصل الاجتماعي تعبير عفوي عن خلل في الإدراك والتعبير، لكنها في الأساس مخطط منظم تحريضي يبدأ من الشاشة، ويستدرك قطاعات من الشباب، ويشعل الغضب على أمل أن يجد طريقه إلى أرض الواقع. كل ذلك يقتضي أن نكون أكثر وعيًا وحرصًا تجاه محاولات تسميم الأجواء سواء باستدعاء توترات خارجية إلى المجتمع المصري مثل الربط قسرا بين مسيحيي مصر والإساءة إلي الإسلام في الخارج، أو محاولة استنبات شقاق داخلي خدمة لأجندات سياسية، ومناهضة الدولة ومؤسساتها في ظل مناخ من السيولة دوليًا وعربيًا وإفريقيا، يُستخدم فيه الصراع حول الهويات الدينية والعرقية والاثنية لتحقيق غايات سياسية.
نقلا عن الأهـرام