أحمد الخميسي 
صدر حديثا عن هيئة قصور الثقافة كتاب " سوريا القرن 19 في رحلات روسية"، ترجمة د. نوفل نيوف الأديب والروائي السوري وأحد أساتذة اللغة الروسية العظام، وبذلك يواصل النشر في ظل جرجس شكري تقديم كل ما يستحق القراءة، والتنويه، والاشادة.
 
ولقد أغنى د. نوفل نيوف المكتبة العربية بأكثر من عشرين كتابا ما بين الترجمة والتأليف، كان آخرها مجموعة قصص بديعة، لا تنسى، بعنوان " كل شيء عن الحب" للكاتبة الروسية ناديجدا طيفي، إحدى أوائل من كتب القصة القصيرة في روسيا.
 
أما الكتاب الصادر عن قصور الثقافة فإنه يقدم لنا الرحلات المجهولة التي قام بها الرحالة الروس إلى سورية وانطباعاتهم عنها، وقد كانت الرحلات في ما مضى هي السبيل الوحيد الذي يتعرف به العالم إلى بعضه بعضا، وإلى الثقافات والتاريخ المشترك والمختلف.
 
وفي هذا الإطار قامت بدور بارز رحلات الروس إلى مصر، وإلى النوبة، فوثقت صورة ذلك العصر التي لم تكن لتظل حية لولا أولئك الرحالة.
 
وليسمح لي القارئ أن أميل بالموضوع إلى جهة أخرى، لأوضح أحد أسباب سعادتي بصدور كتاب د. نوفل نيوف، فأقول - مثلا - إن علاقة الشعب المصري بالشعب السوداني العزيز علاقة أخوة وثيقة تخللتها الأحداث والعادات والآمال المشتركة، علاقة أخوين شربا وأكلا من طبق واحد، أما علاقتنا بسورية فقد زادت على ذلك بعدا آخر ثقافيا باشتباك الثقافة المصرية العميق بالثقافة السورية، بتأثير قوى من الكاتب حنا مينا، وعبد السلام العجيلي، وسعد الله ونوس، وحسين ورور، وإبراهيم صموئيل، وسعيد حورانية، ووفاء خرما، وكلاديس مطر، ورباب هلال، كل أولئك الذين تركوا أثرا عميقا في ثقافتنا.
 
كما تتواثب ساطعة في تاريخنا صور سليمان الحلبي، والبطل السوري جول جمال ابن اللاذقية، الذي كان يدرس في الكلية البحرية بمصر وقت وقوع العدوان الثلاثي، فلم يرجع إلي سورية، بل بقى وتطوع في قيادة زوارق الطوربيد المصرية ليدمر البارجة الفرنسية "جان بار" عند سواحل البرلس في 4 نوفمبر 1956، ومع سورية تحديدا وليس غيرها تمت الوحدة ثلاث سنوات من 22 فبراير 1958حتى 28 سبتمبر 1961، وسبق ذلك كله منذ البداية حضور في شخص يعقوب صنوع السوري الأصل الشهير ب " أبو نظارة"، رائد المسرح المصري والصحافة الساخرة الذي بدأ تأسيس المسرح المصري عام   ١٨٦٩، وحل أبو خليل القباني ضيفا سوريا آخر على مصر يواصل تجديد المسرح، وكان سليم الحموي( نسبة إلي حماة في سوريا) أول من أسس صحيفة " كوكب الشرق" بالإسكندرية عام 1873، وبعده بعامين قام الأخوان سليم وبشارة تقلا بتأسيس جريدة الأهرام عام 1875، وبعد ذلك بعامين برزت صحيفة "مصر" التي أنشأها السوري العظيم أديب اسحق، وشق التأثير السوري طريقه إلى قلوب المصريين عبر ماري منيب التي جاءت مع والدتها من سورية بحثا عن والدها الخواجة سليم، ثم استقرت، واختطفوا القلوب بصوت أسمهان واسمها الحقيقي" آمال"، هاجرت إلى مصر مع أخيها " فريد فهد فرحان اسماعيل الأطرش" من جبل العرب بسوريا هربا من الاحتلال الفرنسي، ثم ظهر أنور وجدي، وكانت أسرته تعمل في تجارة الأقمشة في حلب وانتقلت إلي مصر، وفايزة أحمد، وغيرهما.
 
أخيرا يبقى أن والد سعاد حسني، سندريلا الشاشة العربية، خطاط سوري معروف استدعاه الملك فاروق للإشراف على مدرسة تحسين الخطوط الملكية، وجدها مطرب سوري هو حسني البابا، وأخوه ممثل كوميدي اشتهر بتقليد شخصية المرأة الشامية! الأسماء كثيرة، وكلها تشير إلي تاريخ طويل من الحضور  السوري، لذلك أجدني سعيدا بصدور كتاب د. نوفل نيوف، أراه تجديدا واستمرارا بعلاقتنا مع سورية ، التي دخلت فيها علاوة على الأخوة عناصر التفاهم الثقافي والتأثير والتأثر والتفاعل المثمر.