الأنبا إرميا
تحدثت المقالات السابقة عن «البابا كيرلس الثالث»، «ابن لقلق» حتى وفاته سنة 1242/1243م؛ وقد عاصر «الملك الكامل» الذى حكم البلاد قرابة عشرين عامًا شهدت أحداثًا، منها: اتساع حكمه حتى شمل «دمشق» والبلاد المشرقية و«مكة» وبلاد «الحجاز» و«اليمن»، محاولاته للاستيلاء على بلاد الروم، تفشى وباء عظيم بـ«مِصر» أمات آلافًا من البشر، تفشى «الطاعون» فى العام التالى، تهديد التتار مدنًا وبلدانًا. توفى «الملك الكامل» سنة 635هـ (1238م)، وتولى من بعده ابنه «الملك العادل الصغير».

«الملك العادل الصغير» (635- 637هـ) (1238-1240م)
«الملك العادل أبو بكر»، ابن «الملك الكامل». حكم «مِصر» مع أنه الابن الأصغر للملك «الكامل»؛ فيذكر المؤرخ «ابن تَغْرى»: «وسبب تسلطنه وتقدمه على أخيه الأكبر «نَجم الدين أيوب» أنه لما مات أبوه «الملك الكامل محمد»... كان ابنه «الملك الصالح نَجم الدين أيوب»- وهو الأكبر- نائب أبيه «الملك الكامل» على الشرق وإقليم «ديار بكر»، وكان ابنه «الملك العادل أبو بكر» هذا - وهو الأصغر - نائب أبيه بديار «مِصر». فلما مات «الكامل»، قعد الأمراء يَشْتَوَرون (يتشاورون) فيمن يولون من أولاده؛ فوقع الاتفاق بعد اختلاف كبير.

على إقامة «العادل» هذا فى سلطنة «مِصر» و«الشام»، وأن يكون نائبه بـ«دمشق» ابن عمه الملك «جواد يونُس»، وأن يكون أخوه «الملك الصالح نَجم الدين أيوب» على ممالك الشرق على حاله. فتم ذلك وتسلطن «الملك العادل» هذا فى أواخر سنة خمس وثلاثين وستمائة، وتم أمره ونُعت بـ«العادل سيف الدين» على لقب جده...».

إلا أن أخاه «الملك الصالح نَجم الدين» ساءه الأمر لكونه الابن الأكبر، فخرج بجنوده إلى «دمشق»، ودخلها سنة 636هـ (1239م)، ونزل بالقلعة بعد أن قايض «جواد» نائب «الملك العادل» فقدَّم إليه «سِنجار» مقابل «دمَشق». ثم توجه «الملك الصالح نَجم الدين» إلى «نابُلُس» وقوى عليها؛ فتوجه حاكمها «الناصر داود» إلى «مِصر» مؤازرًا «الملك العادل الصغير».

وبينما «الملك الصالح نَجم الدين» مقيم فى «نُابُلس»، منتظرًا عمه «الملك الصالح إسماعيل» للتوجه إلى الديار المِصرية، توجه عمه إلى مدينة «دمشق» وهجم عليها، ومعه «أسد الدين شِيرِكُوه» حاكم «حمص»، واستولَيا عليها، واقتسماها فيما بينهما مناصفة، ثم اعتقلا الملك «المغيث عمر» ابن «الملك الصالح».

وحين علِم «الملك الصالح» بما حدث، توجه إلى «دمشق» مع نفر من أهله، وحين بلغهم الاستيلاء على «قلعة دمشق» تركوا «الملك الصالح نجم الدين» وحده مع غلمانه وجاريته «شجرة الدر»؛ فقرر العودة إلى «نابُلُس» والتقى عسكر «الملك الناصر داود» الذى ترك «مِصر» دون مشورة «الملك العادل» ِإلى «الكَرَك».
وحين علِم «الملك الناصر» بأمر عودة «الملك الصالح» إلى «نابُلُس»، أرسل إليه ثلاث مئة فارس، وأبدَوا طاعتهم وخدمتهم له، فأقاموا عنده حول الدار حتى ضربوا بوق النفير منبهين إلى قدوم الفرنج؛ فهرب الناس ومماليك «الملك الصالح» إلى «سَبَسْطية»؛ أما هم فاقتادوا «الملك الصالح» إلى «الكَرَك».

ثم يذكر «أبو المظفَّر» عن تلك الأحداث: «ولما اجتمعت به (يعنى «الصالح») فى سنة تسع وثلاثين وستمائة، حكى لى صورة الحال؛ قال: أركبونى بغلة بغير مِهْماز (حديدة فى مؤخَّر حذاء الراكب لهمز الدابة أو نخسها بها) ولا مِقرعة (لضرب الدابة)، وساروا إلى «المُوتَة» (قرية من قرى «البلقاء» على حدود «الشام») فى ثلاثة أيام - واللهِ ما كلمت أحدًا منهم كلمة، ولا أكلت لهم طعامًا حتى جاءنى خطيب «المُوتَة» ومعه بُرْدَة عليها دجاجة، فأكلت منها.

وأقاموا بى فى «المُوتَة» يومين. وما أعلم «إيش كان المقصود». فإذا بهم يريدون (أن) يأخذوا طالعًا (تنبؤ المنجم من حوادث بطلوع كوكب معين) نحسًا (خبيثًا) يقتضى ألا أخرج من حبس «الكَرَك»، ثم أدخلونى إلى «الكَرَك» ليلاً على الطالع الذى كان سبب سعادتى ونحوسهم»، وفى «الكَرَك» وضعوا مع «الملك الصالح» أحد المماليك الأفظاظ الغِلاظ، وظل هناك حبيسًا سبعة أشهر حتى وصلت أخباره إلى أخيه «الملك العادل الصغير» فى «مِصر»، و... والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.

* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
نقلا عن المصرى اليوم