مراد وهبة
كان مربياً للصبيان منذ سن العاشرة إلى السادسة عشر، وكانت هذه هى رسالته فى حياته كلها، لأنه كان يريد أن يصلح من أمر هذه الفترة التى يتجاهلها المجتمع بسبب انغماسه فى تقلبات سياسية يمتنع معها مثل هذا الإصلاح. ومن هنا كان تأسيسه لقسم الصبيان الذى كان ملحقاً بجمعية الشبان المسيحية فى عام 1936. وكنت أنا من أوائل المنضمين لذلك القسم فى عام افتتاحه وكان عمرى عشر سنوات، إلا أنه كان قد أبدى اهتمامه بهذا الذى يريد إنجازه فى عام 1935، عندما نشر مقالاً بجريدة الأهرام فى الأسبوع الأول من ذلك العام تحت عنوان «شخصية الطفل» مفاده أن الأطفال أكثر تأثرًا باختبارات الحياة، لأنهم أكثر قابلية للانفعال النفسى من البالغين الذين قد شاهدوا كثيراً من أمثال هذه الاختبارات وتدربت أعصابهم عليها. وبعد ذلك عدد يعقوب فام ما سماه أحوال هدم أعصاب الأطفال، وكان أهمها فى رأيه انخلاع قلوب الوالدين عند دنو الخطر. فالرجل الذى يحب ابنه كل الحب يخشى عليه التعرض للخطر كل الخشية. ويضطرب عندما يظن أن طفله قد يتعرض للأخطار ويدفعه هذا الخوف إلى العامل الحاسم السريع الذى يكون مصحوباً بانفعال نفسى شديد من ناحيته. هذا الرجل يهدم أعصاب أطفاله هدماً ويخرجهم إلى الدنيا مخلوعى القلوب. وفى نهاية مقاله طالب باحترام الأطفال فى دنياهم التى يعيشون فيها احتراماً مبنياً على الإخلاص الجدى. وفى مقال آخر تناول فيه الاستبداد بالطفل فى مقابل التدليل الوارد فى المقال السابق. وكان يعنى بالاستبداد العناية الفائقة من جانب الوالدين بأطفالهم، ثم تساءل بعد ذلك عما بقى من فنون العيش والحياة بعد أن حرموا حق الاتصال المباشر بالبيئة التى يقيمون فيها. وهذا هو الاستبداد المقنع الذى يختفى وراء عواطف سامية، مؤكداً أنه من حق الأطفال أن يجوزوا الاختبارات بأنفسهم دون أن يجوزها عنهم البالغون، ومن حقهم أن يندمجوا فى البيئة وينغمسوا فى الحياة.
والجدير بالتنويه هنا أن يعقوب فام كانت له عبارة ذات مغزى فى شأن اللغة العربية، إذ يقول إن الإعراب يؤدى إلى فهم المعنى. فيقال أعرب الرجل عن نفسه، أى أبان وعبر عما بداخله. ومن هنا يقول « بالإعراب تتميز المعانى».
ولم تكن تخلو حياة يعقوب من المداعبات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أنه ذهب إلى وزير المعارف إسماعيل القبانى عندما تم تعيينه وزيراً لتهنئته. وعند مدخل مكتبه سأله سكرتير الوزير: ممكن أتشرف باسمك ووظيفتك لأخبر بهما الوزير فقال له: «يعقوب فام مدير قسم الصبيان». وإذا بالسكرتير يقول له بلا تردد: «آسف يا أستاذ. أنا لا أستطيع إخبار الوزير بأن منْ يريد مقابلته هو مدير العيال». وعندئذ قال له يعقوب فام: «إذن قل للوزير.. إن مدير العيال يريد مقابلة وزير العيال». وأذعن السكرتير وأبلغ الوزير وإذا بالوزير يفتح باب مكتبه ليستقبل مدير العيال. وكان من الشائع عن يعقوب فام أنه يستطيع مقابلة أى مسؤول فى الوزارة بلا موعد محدد.
نقلا عن المصرى اليوم