الدول الغنية حصلت على أكثر من 43% من صادرات الحبوب الأوكرانية
قفزت أسعار القمح والذرة في أسواق السلع العالمية يوم الاثنين بعد انسحاب روسيا من مبادرة حبوب البحر الأسود.
ويهدد انهيار الاتفاقية برفع أسعار المواد الغذائية للمستهلكين في جميع أنحاء العالم ودفع الملايين إلى الجوع.
وقال البيت الأبيض إن الصفقة كانت "حاسمة" لخفض أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم، والتي ارتفعت بعد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير من العام الماضي.
وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، آدم هودج، في بيان: "قرار روسيا تعليق المشاركة في مبادرة حبوب البحر الأسود سيزيد من انعدام الأمن الغذائي سوءاً ويلحق الضرر بملايين الأشخاص المعرضين للخطر في جميع أنحاء العالم".
قفزت العقود الآجلة للقمح في مجلس شيكاغو للتجارة بنسبة 2.7% إلى 6.80 دولار للبوشل وارتفعت العقود الآجلة للذرة بنسبة 0.94% لتصل إلى 5.11 دولار للبوشل حيث يخشى التجار من أزمة وشيكة في المعروض من المواد الغذائية الأساسية.
بينما تخلت العقود عن هذه المكاسب في وقت لاحق من اليوم. لكن لا تزال أسعار القمح منخفضة بنسبة 54% عن أعلى مستوى سجلته على الإطلاق في مارس 2022 بعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، بينما انخفضت أسعار الذرة بنسبة 37% عما كانت عليه في أبريل 2022، عندما وصلت إلى أعلى مستوى لها في 10 سنوات.
ضمنت اتفاقية البحر الأسود - التي تم التوصل إليها في الأصل بوساطة من تركيا والأمم المتحدة قبل عام - المرور الآمن للسفن التي تحمل الحبوب من الموانئ الأوكرانية.
وحتى الآن، سمحت الصفقة بتصدير ما يقرب من 33 مليون طن متري من المواد الغذائية عبر الموانئ الأوكرانية، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة.
وتم تجديد الاتفاق 3 مرات، لكن روسيا هددت مراراً بالانسحاب، بحجة أنها أعيقت في تصدير منتجاتها، وفقاً لما نقلته شبكة "CNBC"، واطلعت عليه "العربية.نت".
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أنه لن يجدد الاتفاقية، قائلاً إن هدفها الرئيسي - توريد الحبوب إلى البلدان المحتاجة – وهو ما لم يتحقق".
تأثير بعيد المدى
من المرجح أن يكون لانهيار الصفقة تداعيات أبعد من المنطقة.
وقبل الحرب، كانت أوكرانيا خامس أكبر مصدر للقمح على مستوى العالم، حيث كانت تمثل 10% من الصادرات، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
كما أن أوكرانيا من بين أكبر 3 دول مصدرة للشعير والذرة وزيت بذور اللفت، وفقاً لـ "Gro Intelligence"، وهي شركة بيانات زراعية. كما أنها إلى حد بعيد أكبر مصدر لزيت عباد الشمس، حيث تمثل 46% من صادرات العالم، وفقاً للأمم المتحدة.
وفي العام الماضي، كانت الصدمات الاقتصادية التي شملت آثار حرب أوكرانيا والوباء هي الأسباب الرئيسية "لانعدام الأمن الغذائي الحاد" في 27 دولة، مما أثر على ما يقرب من 84 مليون شخص، وفقاً لتقرير صادر عن شبكة معلومات الأمن الغذائي، وهي منصة مشاركة البيانات الممولة من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وقالت لجنة الإنقاذ الدولية (IRC) في نوفمبر / تشرين الثاني إن انهيار الصفقة "سيضر بأولئك الذين هم على شفا المجاعة أكثر من غيرهم". جاء التحذير بعد أن علقت موسكو مشاركتها في الاتفاق لعدة أيام بعد هجمات بطائرات بدون طيار في مدينة سيفاستوبول الساحلية في شبه جزيرة القرم التي تسيطر عليها روسيا.
بدوره، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في ذلك الوقت إن انهيار الاتفاق سيحول "أزمة القدرة على تحمل تكاليف [الغذاء] إلى أزمة توافر" إذا لم يتمكن المزارعون في جميع أنحاء العالم من الحصول على الأسمدة اللازمة قبل موسم الزراعة.
وتعد روسيا أكبر مورد عالمي للأسمدة، وفقاً لـ "Gro Intelligence". وكجزء من الصفقة الأوسع، تم التوسط في اتفاقية ذات صلة لتسهيل شحنات الأسمدة والحبوب الروسية.
وفي الأسبوع الماضي، دعا شاشوات صراف، مدير الطوارئ الإقليمي لشرق إفريقيا في لجنة الإنقاذ الدولية، إلى تمديد طويل الأجل للصفقة لخلق "إمكانية التنبؤ والاستقرار" في المنطقة، التي فقدت كميات هائلة من المحاصيل بسبب الجفاف والفيضانات.
وقال صراف في بيان "مع تصدير ما يقرب من 80% من الحبوب في شرق إفريقيا من روسيا وأوكرانيا، يواجه أكثر من 50 مليون شخص في أنحاء شرق إفريقيا الجوع، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنحو 40% هذا العام".
لماذا انسحبت روسيا من الاتفاق؟
قالت روسيا إنها لن تمدد الاتفاق ما لم يلغِ الغرب العوائق التي وضعها على تصدير الحبوب والأسمدة، بالإضافة إلى مطالبتها بإعادة ربط "البنك الزراعي الروسي" بنظام "سويفت" العالمي للتحويلات المالية.
كما حددت روسيا بعض المطالب الأخرى، من بينها استئناف توريد الآلات الزراعية، وقطع الغيار، ورفع القيود المفروضة على التأمين وإعادة التأمين، واستئناف عمل خط أنابيب الأمونيا الذي يصل مدينة تولياتي الروسية بأوديسا الأوكرانية، فضلاً عن إلغاء تجميد الأصول وحسابات الشركات الروسية العاملة في مجال تصدير المواد الغذائية والأسمدة.
ولا توجد مؤشرات تُذكر على موافقة الغرب على هذه المطالب، وفقاً لما ذكرته وكالة "رويترز".
كانت الموانئ الأوكرانية مغلقة قبل التوصل إلى الاتفاق في تركيا في يوليو من العام الماضي. ومن غير الواضح ما إذا كان بالإمكان شحن الحبوب مع انسحاب روسيا.
كما سترتفع تكلفة التأمين على السفن، والتي تُعدّ مرتفعة أساساً، خصوصاً أن هناك كثيراً من المخاطر التي قد تواجه السفن، من بينها وجود السفن الحربية الروسية في البحر الأسود، والألغام البحرية العائمة. كما يمكن أن يتردد أصحاب السفن في إدخال سفنهم إلى منطقة حرب من دون موافقة روسيا.
توقع "مجلس الحبوب الدولي" أن ينخفض إنتاج أوكرانيا من الذرة إلى 21 مليون طن، من 27 مليوناً خلال الموسم الماضي، كما رجح انخفاض الصادرات إلى 15 مليون طن من 20.5 مليون طن.
أما بالنسبة للقمح، فإن توقعات المجلس تشير إلى انخفاض لتصل إلى 20.2 مليون طن من 25.2 مليون طن في موسم 2022 - 2023، في حين ستصل الصادرات إلى 11 مليوناً، في مقابل 14.5 مليون طن في الموسم السابق.
ويُعدّ تصدير هذه الأرقام عبر شرق الاتحاد الأوروبي صعباً، سواء من الناحية اللوجيستية، أو المالية، خصوصاً بالنسبة للمحاصيل المزروعة في المناطق الشرقية من أوكرانيا، التي تواجه رحلة طويلة وصعبة لمجرد الوصول إلى الحدود.
هل يمكن لأوكرانيا التصدير عبر البر؟
كانت أوكرانيا تصدر كميات كبيرة من الحبوب عبر دول شرق الاتحاد الأوروبي، لا سيما المجر وبولندا ورومانيا، منذ بدء ما تصفه روسيا بـ "العملية العسكرية الخاصة".
ومع ذلك، كانت هناك العديد من التحديات اللوجيستية، بما في ذلك اختلاف مقاييس السكك الحديدية بين الدول.
ويبلغ قياس شبكة السكك الحديد الأوكرانية 1520 ملم، في حين تستخدم دول شرق الاتحاد الأوروبي قياساً يبلغ 1435 ملم، مما يعني أنه من المستحيل تشغيل القطارات من شبكة إلى أخرى من دون انقطاع.
وهناك مشكلة أخرى تتمثل في أن تدفق الحبوب الأوكرانية عبر شرق الاتحاد الأوروبي يتسبب بالفعل في اضطرابات بين المزارعين في المنطقة. ويعتبر المزارعون أن الصادرات الأوكرانية قوضت الإمدادات المحلية، وتم شراؤها من قبل المطاحن، مما تركهم دون سوق لمحاصيلهم. وكمثال على ما سبق، منعت بولندا مؤقتاً واردات الحبوب الأوكرانية، الأسبوع قبل الماضي، لتخفيف التأثير على الأسعار، رغم أنها قالت إنه لا يزال يُسمح لها بعبور البلاد. كما قام المزارعون الرومانيون بمنع عمليات التفتيش على الحدود بالجرارات والشاحنات. ويمكن أن تزيد هذه الاضطرابات إذا أرادت كييف تصدير كميات أكبر.
أكبر الدول العربية المستفيدة من اتفاقية الحبوب
ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة والتي اطلعت عليها "العربية.نت"، فقد تم تصدير 32.9 مليون طن متري من الحبوب عبر اتفاقية البحر الأسود منذ سبتمبر من العام الماضي، كان نصيب الدول مرتفعة الدخل 43.65% من صادرات تلك الحبوب، بينما كان نصيب الدول في شريحة الدخل المتوسط الأعلى 36.7% والتي تضم الصين أكبر مستفيد من الاتفاقية – حصلت الصين على نحو 8 ملايين طن من الحبوب الأوكرانية التي تم تصديرها عبر الاتفاقية – بينما كان نصيب الدول في الشريحة المتوسطة المنخفضة 17.15%، فيما حصلت الدول الفقيرة على 2.5% فقط من تلك الشحنات من الحبوب.
وجاءت مصر كأكبر مستفيد من الاتفاقية، إذ حصلت على ما يزيد عن 1.55 مليون طن من الحبوب الأوكرانية منذ سبتمبر الماضي، فيما استوردت تونس ما يزيد عن 713 ألف طن من الحبوب الأوكرانية.
بينما كانت ليبيا ثالث أكبر مستفيد بواقع 558 ألف طن، تليها اليمن بواقع 260 ألف طن من خلال برنامج المساعدات الخاص بالأمم المتحدة، بينما استورد العراق 146 ألف طن عبر الاتفاقية، والجزائر 212 ألف طن، والمغرب 111 ألف طن، ولبنان 98 ألف طن، وعمان 86 ألف طن، والسودان 95 ألف طن، والسعودية 246 ألف طن، والإمارات 65 ألف طن.
أسعار المواد الغذائية
سجل مؤشر أسعار الغذاء العالمي الذي التزمت به منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أعلى مستوى له على الإطلاق في مارس 2022، لكنه انخفض بشكل مطرد منذ ذلك الحين. يمكن أن يؤدي انخفاض الصادرات الغذائية الناجم عن انسحاب روسيا من الاتفاق إلى عكس هذا الاتجاه.
فيما قالت كبيرة اقتصاديي السلع في "كابيتال إيكونوميكس"، لشبكة "CNN"، كارولين باين، إن الدول الأكثر ثراءً هي أقل عرضة للتداعيات من بعض البلدان في الشرق الأوسط وأفريقيا.
في الأشهر الأخيرة، تجاوز تضخم أسعار المواد الغذائية الطاقة باعتباره المحرك الرئيسي للتضخم العام العنيد في المملكة المتحدة والدول العشرين التي تستخدم اليورو، على الرغم من أنه بدأ في التراجع. في مايو، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 18.4% في المملكة المتحدة وبنسبة 12.5% في منطقة اليورو مقارنة بشهر مايو 2022.