عبد اللطيف المناوي
فى سنوات سابقة كان الرأى العام يُقاس بمعايير واضحة ومحددة، أغلبها عاقلة منضبطة، فإذا أردت توجهات الرأى العام لقضية ما فى الماضى كان عليك بمقالات كبار الكتاب، أو خطابات المواطنين العاديين للجهات الإعلامية مثل الصحف الكبرى والتليفزيون، أو لجهات ذات صلة بموضوع القضية. أيضا، وهو الأكثر علمية وانضباطًا، إذا كان الهدف هو القياس فإن هناك تلك المؤسسات الكبرى المتخصصة فى قياسات الرأى العام والتوجهات نحو قضايا وموضوعات معينة. أصبحت مثل هذه المؤسسات كيانات ضخمة تحكمها قواعد وأدوات وعلم حقيقى.
حتى جلسات المقاهى كانت أكثر انضباطا مما يُقال على «السوشيال ميديا» الآن، وتحديدًا بعد دخولها إلى حياتنا بقوة، حتى صارت جزءًا من يومنا ومنامنا، بل وقراراتنا أيضًا!
أقول هذا بمناسبة ما يدور حول حفل مغنى الراب الأمريكى ترافيس سكوت عند سفح الأهرامات، والذى كان مقررًا يوم 28 يوليو 2023 احتفالا بإطلاق ألبومه الغنائى المرتقب «يوتوبيا»، فمنذ الإعلان عن هذا الحدث والنبش حول تاريخ المطرب لم يهدأ لحظة. هؤلاء النابشون كتبوا ما يكفى كتابته حول اتهامات له بدعوات للماسونية وعبادة الشيطان وغيرها، ومع زيادة وتيرة الحديث على «السوشيال ميديا» حول الأمر، شعرنا أن الكرة التى بدأت صغيرة تكبر وتتدحرج إلى ملاعب أكبر، حيث انبرت نقابة المهن الموسيقية لتمنع إصدار تصريح له، باعتبار أن ما يدعو له سكوت ينافى القيم الوطنية والمصرية، لتقذف بالكرة بعد أن صارت ملتهبة إلى ملعب أكبر.
ورغم أن نقابة المهن الموسيقية ليست هى الجهة الوحيدة المنوط بها إقامة الحفل أو منعه، ورغم أن مدير أعمال النجم الأمريكى لايزال- حتى الأمس- يؤكد إقامة الحفل، وبصرف النظر عن صحة ما وُصم به سكوت من عدمه إلا أن ما يحدث على «السوشيال ميديا» أمر فاق كل الحدود.
فلا يكاد يوم يمر بهدوء من دون افتعال مشكلة عبر مواقع التواصل الاجتماعى، الكل يريد المشاركة برأيه، والكل يريد لفت الأنظار بهذا الرأى، الذى يكون فى العادة متطرفًا جانحًا غير عاقل أو مدرك لطبيعة الأشياء. لا يكاد يوم يمر دون آلاف الكتابات على موضوعات بعينها، يفتى فيها من يفتى، وينبش فيها من ينبش حتى يخرج نبشه وكأنه اكتشف ما لم يُكتشف، فيصير كل «ترند» للأسف رأيًا عامًا، والأكثر أسفًا أن قرارات من جهات ومؤسسات مسؤولة تسير وراء هذا الرأى باعتباره رأيًا عامًا، تتأثر به وتحاول مجاراته والسير حسب هواه.
نحتاج إلى الكثير من الهدوء والتروى فى التعامل مع «السوشيال ميديا»، فالتفاعل مع كل ما يُقال جريمة توازى الجرائم التى يرتكبها النابشون كل يوم. ليس هكذا يتم قياس الرأى العام. قياسات الرأى العام يجب أن تكون بمعايير أكثر عقلانية ووضوحًا والأهم أن تكون معتمدة على أساليب علمية حديثة تناسب الزمن الحالى، وأعتقد أن العلم لم يقصر معكم لتكون بديله «السوشيال ميديا»!.
نقلا عن المصرى اليوم