بقلم  عادل نعمان
..( الاديان كلها من الله عز وجل ، شغل الله بكل دين طائفة من الناس لا إختيارا فيهم ، بل إختيارا عليهم ، فمن لام احدا على بطلان ماهو عليه فقد حكم انه قد إختار دينه لنفسه ، واعلم ان اليهودية والنصرانية والإسلام وغير ذلك من الاديان هى ألقاب مختلفة واسماء متغايرة ، والمقصود منها لايتغير ولايختلف ) هذا ماقاله الفيلسوف إبن منصور العربى ، وبتصرف منى ايضا : " ليس من حقك ان تلوم احد على دينه ،إلا إذا كنت قد إخترت دينك لنفسك "  

وليس لأحد فينا فضل او خيار او سبق فى هذا ، وجودنا جميعا فى الحياة مصادفة جغرافية ، ودياناتنا جميعها عرضا تاريخيا ، أو قل فرض وإلزام وليس إنتقاء أو إختيار ،ماكان لاحد فيه قرار أو إرادة ، وتشددك وتعصبك لدينك شحن وإنحياز وتحزب لموروث تاريخى عائلى وقبلى ، وزعم بالريادة  وإنتحال للإمامة وإدعاء للزعامة والعمادة ، هذه المصادفة التاريخية ليس من حقك فرضها على خلق الله ،وربما لو كنت على دين غير دينك لكنت اكثر تطرفا وتجاوزا ، ولااستبعد ان تكون احد متعصبى السيخ " مثلا " وتطارد ضعاف المسلمين فى شوارع القرى المزدحمة، ويهرولون حفاة عراة امامك فى فزع وهلع ، وتلطخ يديك بدمائهم البريئة، ثم ترفعها الى السماء لنفس الإله تضرعا و قربانا ، وتطلب منه القرب والقبول والرضا ، ولربما تكون احد هؤلاء المسلمين الضعفاء الفارين وتختبئ وتتخفى خلف ساتر وتتمتم وتدعو بدقات قلبك الواهنة ان ينجيك واطفالك من هذا المتعصب الذى يشج الرؤوس وينحر الرقاب ،وتدعوه ان يتقى الله فى رقاب العباد الابرياء ، فندعوا الله لكما ان ينجى كل واحد منكما من الآخر .

والمرء على دين أبيه وأجداده ،ورثه كما ورث تركاتهم ، وانت واحد من المليارات الذين ينتسبون الى اربعة الآف ديانة على مستوى العالم وورث دينه كما ورثته ، والكل على باب الله ، والكل على يقين انهم على الحق ثابتون  لايتزحزحون ، وان دينهم يمتلك الحقيقة المطلقة ، وعشيرته الى الجنة سائرون ، والى فضل  الله ومحبته لاجئون ، ومنوط بهم دون غيرهم خدمة الرب وإعمار بيوته وزيارتها ، فلا صلاة غير صلاتهم ، ولاشعيرة غير شعيرتهم ، ولاشريعة تدنو من شريعتهم ، والغريب ان هذا اليقين الذى يعتنقه الجميع يقين دون دراسة جادة لهذه الديانات جميعها ، حتى يتثبت ويترسخ هذا الإدراك ، ويبلغ الإصطفاء مداه ، والتصفية منتهاها ، او يهتز ويضطرب ويتراجع ،وليس اليقين والتثبيت إلا بالمقارنة والدراسة والبحث حول الحقائق الاخرى ،وهو امر صعب المنال ، فلا حقيقة مطلقة ،ولايقين ثابت على الإطلاق ، كل الحقائق نسبية ومتغيرة وتحتمل الخطأ كما تحتمل الصواب  

ومهما حاول الجميع التقريب والتوفيق بين الاديان ، تظل هذه المحاولات السياسية يجانبها الصواب اليوم وغدا ،وعند مفترق الطرق وابسط الخلافات تظهر الخصومة والشقاق جليا ، ويطفح على السطح ماكان خافيا ومستترا من الخجل ، حتى اضحى الخلاف الدينى هو الاكثر تهديدا لأمن الشعوب وسلامتها ، فلا ديانة تقر وتوافق الديانة اللاحقة اوالسابقة عليها ، المسيحيون لايعترفون باليهودية او العهد القديم ،واليهود لايعترفون بالمسيحية ويعتبرونها ثرثرة تاريخية ، والمسيحيون لايعترفون بالإسلام لان المسيح هو المخلص الاخير و نهاية العالم ومابعده ليس دينا ، والمسلمون لايعترفون إلا بالإسلام دينا ولن يقبل غيره ، وكل الاديان ثقتها عامة ويقينها انها صالحة للناس  جميعا لكل زمان ومكان ، والنرجسية والتعالى منهج معتمد ومعتبر عند اصحاب الاديان جميعها فى السر والعلن ، اليهود يعتبرون انفسهم إصطفاء الله من خلقه ، والمسلمون على يقين انهم خير امة اخرجت للناس ، والمسيحيون مقتنعون انهم المخلصون ، ومادام الامر كذلك والتقارب هذا يحتاج الى جراحة تاريخية تستدعى البتر ، ولاامل فى التوافق والتقارب ، ولاقدرة ولاطاقة لتمهيد ورصف طريق  سهل يسافر فيه الناس بين هذه الاديان فى سهولة ويسر خصوصا فى بلادنا ، ومادامت التفاهمات والمقاربات مقبولة فى الخلافات السياسية والإقتصادية ومستحيلة ومرفوضة فى الاغلب الاعم بين الاديان يصبح الصدام حتمى والقتال مباح ومتاح تحت بند القرار العلوى والشرعى ، فلامناص من العزل التام والحصار  داخل المنابر الدينية .

الناس مخطئون جميعا فيما يصنعون فى الاديان او فيما يتصنعون لها ، فما جاءت إلا لراحة الناس وخدمتهم ، وماخلقهم الله إلا للعيش فى سلام ونعيم ، والإستمتاع بما خلق وسوى ، والسعى فى الحياة ، لايتقاتلون ولايتخاصمون في الله ، بل يتعايشون فى امنه وراحتة ونعمه وفضله ، وليست الدنيا دار حرب بل دار سلام ، وليس غيرك على ضلال وانت على الحق ، الحق هو الله ،ومادونه محل نظر ومقبول فلا إثبات عليه ولابرهان نهائى يستدعى الخلاف والقتال ، والدين كله لله ،وأمر الناس للناس " الدولة المدنية هى الحل " ،