فاطمة ناعوت
بدعوة طيبة من جمعية «جنّات الخلود» الخيرية، قضيتُ يومًا فريدًا فى المدينة الشبابية الرياضية بحى «الأسمرات» المبهج، الذى يُعدُّ واحدًا من أعظم منجزات «الجمهورية الجديدة»، وصرحًا شاهقًا من صروح مصر الاجتماعية والإنسانية، التى تُعيدُ بناء المواطن المصرى على «الكود الحضارى» الذى يليقُ به، وتليقُ به مصرُ صانعةُ الحضارة.
«جنّاتُ الخلود» واحدة من أرقى جمعيات المجتمع المدنى فى مصر. أنشأتها الطبيبةُ الجميلة د. «زينب علوب» عام ٢٠٠٦، بعد زيارة عرضية وقدرية قامت بها لحى «الدويقة» عام ٢٠٠٠، فوخز قلبَها ما شاهدت من تهميش لسكّان تلك المناطق العشوائية واحتياجهم الماسّ لتدخّل قوى المجتمع المدنى؛ ليس وحسب للارتقاء بأحوالهم المعيشية، بل كذلك، وهو الأهم، لغرس بذرة الأمل داخلهم وإنعاش رغبتهم الذاتية فى التطور والارتقاء، بل المشاركة فى بناء المجتمع، بتحويلهم إلى قوى منتجة، بدلًا من كونهم قوى مستهلكة. يومها، قررت هذه السيدة الوطنية الجميلة تكوين فريق من صديقاتٍ تحمسن لفكرتها النبيلة، وقمن بتأسيس جمعية «جنّات الخلود» الخيرية، وإشهارها عام ٢٠٠٦. وفى رحلة تحقيق حلمهن، واجهن ما واجهن من صعاب وتحديات حتى تحوّلت الجمعيةُ من مجرد مظلّة إنسانية طيبة تقدم المساعدات المعيشية للأسر المعوزة فى المناطق العشوائية، إلى كيانٍ قوى يقوم على استراتيجية علمية يقدم عددًا من البرامج التنموية الشاملة تستهدف الأسرة بكاملها فى منطقة «الدويقة» وخارجها، تهدفُ إلى الارتقاء بها إنسانيًّا وتعليميًّا وتثقيفيًّا وحضاريًّا لكى تخرج تلك الأسر من حقل «الاحتياج» وتدخل حقل «الإنتاج». وتطورت الجمعية وكبرت وأصبحت صرحًا حضاريًّا وكيانًا مؤسسيًّا هائلًا يستهدف «الاستثمار فى الإنسان» والبنيان المجتمعى الناضج والاستدامة. وبفضل إيمانهن الحقيقى بتلك الرسالة النبيلة، كلّل اللهُ جهودهن بالنجاح واستطاعت تلك السيداتُ الراقيات نشر فكرتهن الجميلة فى المجتمع، فعقدن شراكات مع أفراد ومؤسسات وجهات مانحة تضافرت جهودُها لتحقيق طموحاتها التى صارت يعلو سقفُها يومًا بعد يوم. ومع تحقيق النجاحات انتقلتِ الأهدافُ إلى رحاب أوسع وأعلى. وخلال وقت وجيز صارت «جنات الخلود» بناءً مؤسسيًّا ذاتى التمويل، تامَّ الاستقلال عن أى توجهات سياسية أو دينية، قادرًا على البناء والتطوير من خلال التركيز على رعاية الطفل، وتأهيل المواطن لكى يغدو عضوًا فعالًا فى المجتمع، عن طريق تقديم حزمة من التدخلات التنموية مثل: التعليم، التدريب، التمكين، الاستثمار، التكافل الاجتماعى.
«حيثما يكون الأمل، تكونُ الحياة»، هذا هو الشعار الذى رفعته الجمعيةُ منذ تأسيسها قبل سبعة عشر عامًا لإيمانها بأن الأمل والرجاء فى غدٍ أجمل هو المحفزُ الرئيس المحرض على العمل والعطاء. كانت رؤية الجمعية ومنطلقها الرئيسى: بناء إنسان قادر على المشاركة الإيجابية، بدءًا من مرحلة الطفولة، بهدف التمكين الاقتصادى من أجل تحقيق التنمية المستدامة. ورسمت د. زينب علوب مجموعة من القيم صارت قوانين صارمة مُلزمة للجمعية هى: العمل الجماعى، الشفافية، المصداقية، المساواة، المسؤولية، والإتقان.
محاور عمل الجمعية: ١- التعليم والتدريب، ٢- التمكين الاقتصادى، ٣- التكافل الاجتماعى. يشمل محور التعليم: الحضانات التى تقدم للطفل مناخًا محترمًا للتنشئة والتعليم والرياضة والتنمية الفنية والرعاية الصحية والتغذية وتنظيم رحلات وحفلات وأنشطة تثقيفية مثل «البرلمان الصغير»، وفصول تقوية، ومعسكرات صيفية وغيرها. يتكلّف كلُّ طفل شهريًّا أكثر من ألف جنيه، تدفع منها الأسرة فقط مائة جنيه من أجل الشعور بالمشاركة، والباقى تدفعه الجمعية من التبرعات. كما توفر الجمعية فصول محو الأمية لتعليم الكبار والمتسربين من التعليم من أبناء «الدويقة». كذلك تقدم الجمعية برنامجًا للتنمية البشرية للارتقاء بالسلوك والقيم وتنمية المهارات وتعزيز الثقة بالنفس والتنمية الشاملة رياضيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا. محور التمكين الاقتصادى يهدف إلى الارتقاء بالتجمعات المهمشة، وتحويل أفرادها من مرحلة العوز والاحتياج إلى مرحلة الإنتاج والاستقلال الاقتصادى عن طريق دعم الصناعات والمشروعات الصغيرة والحرف اليدوية والوصول بتلك المنتجات إلى مراحل التصدير. ويتم ذلك عن طريق التدريب المهنى والتعليم الفنى والحرفى. ويتم ذلك فى مشاغل الخياطة ومراكز الحرف اليدوية فى الدويقة، ومراكز السجاد اليدوى، ومصنع الأسمرات، الذى يقدم فرص عمل طيبة للأهالى الذين انتقلوا من الدويقة للأسمرات. ويتم تسويق جميع تلك المنتجات من خلال «جاليرى جنتى»، حيث شاهدنا جانبًا من منتجاتهم اليدوية فائقة الجمال بالأمس فى الفعالية الختامية من مؤتمر «هنّ موجودات». المحور الثالث هو «التكافل الاجتماعى»، ويهدف إلى المساهمة فى تلبية الاحتياجات الأساسية للأسر المعوزة والأكثر احتياجًا فى المناطق المهمشة استهدافًا لتمكينها اقتصاديًّا. ويجرى ذلك من خلال برامج: كفالة اليتيم، كفالة طالب العلم، كفالة الأسر تحت خط الفقر، الإطعام، الكساء، والخدمات الصحية. من أهم داعمى هذا المشروع التنموى العظيم «مؤسسة بنك مصر» الوطنية العريقة. شكرًا لكل يد كريمة تغرس نبتة طيبة فى بلادى. وتحيا مصر.
نقلا عن المصرى اليوم