الأب رفيق جريش
بعد إهمال كبير نحو قارتنا الحبيبة «إفريقيا» التى نحن فى الطرف الشمال الشرقى منها إلا أن «الجمهورية الجديدة» تتوجه هذه الأيام بقوة نحو إفريقيا، وكيف لا وشريان الحياة بالنسبة للمصريين يأخذ منبعه من داخل قلب إفريقيا ومن هنا هذا الارتباط العضوى والآن يزيد عليه الارتباط السياسى والاقتصادى والتنموى.
ففى العصر الحاضر ترأست مصر الاتحاد الإفريقى عام 2019، ورئاستها الراهنة للوكالة الإفريقية للتنمية «النيباد»، علاوة على رئاستها السابقة لتجمع الكوميسا، وترشحها لعضوية مجلس السلم والأمن الإفريقى للفترة 2024-2026، كذلك زيارات الرئيس السيسى المستمرة للدول الإفريقية، وكذلك زيارات الرؤساء الأفارقة إلى مصر، وحضور الرئيس القمة التنسيقية التابعة للاتحاد الإفريقى بالعاصمة الكينية نيروبى، بعد يوم واحد فقط من استضافة مصر لقمة دول الجوار الإفريقى الخاصة بالبحث عن السلام فى السودان.
قدم الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أعمال قمة منتصف العام التنسيقية التابعة للاتحاد الإفريقى، خريطة طريق واضحة لتحقيق التنمية والنهضة فى إفريقيا تقوم على أربعة أهداف أساسية، وهى حشد الموارد للتنمية ودفع التكامل الاقتصادى ووضع آليات واضحة لتخفيف الديون الإفريقية، وتحقيق العدالة المناخية، وهذه النقاط الأربع تجسد أبرز التحديات أمام القارة الإفريقية.
لقد تجاوز الاهتمام المصرى بإفريقيا بعد 30 يونيو مسألة إعادة تأكيد الحضور فى القارة، وهو الهدف الأولى الذى بدأت به مصر، وبدأ هذا الاهتمام يؤتى ثماره، مع عودة الدفء الطبيعى لعلاقات مصر بدول القارة وبروز نتائج الجهود المصرية لتطوير آليات العمل الإفريقى. وتأتى قمة نيروبى لتأكيد كل ذلك؛ فقد تم استحداث هذه القمة وقت الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقى، بهدف متابعة التكامل الاقتصادى الإقليمى فى إفريقيا.
وبصفة خاصة إقامة منطقة التجارة الحرة، التى أطلقت خلال الرئاسة المصرية للاتحاد عام 2019. ويوما بعد يوم، تؤكد السياسة المصرية أنها تمتلك طموحًا اقتصاديًا مصريًا فى إفريقيا، وطموحًا اقتصاديًا مصريًا لإفريقيا، الأول يستهدف ربط مشروع مصر التنموى بخطط وجهود التنمية الاقتصادية الوطنية مع دول القارة، وأن تصبح مصر جسرًا اقتصاديًا وتنمويًا لإفريقيا، انطلاقًا من رؤيتها التى تعتبر إفريقيا مدخلًا للمشروع التنموى المصرى.
ولإفريقيا يتضح من اتفاقية منطقة التجارة الحرة، التى كانت مصر من أوائل الدول الموقعة والمصدقة عليها، والتى تستهدف ربط الأسواق الإفريقية بعضها ببعض، بما يعزز النمو الاقتصادى والتجارة بين دول القارة، وبما يسهم فى الحد من الفقر خاصة بعد تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية، فيساعد على تصعيد وتيرة الانفتاح الاقتصادى، وجذب المزيد من الاسـتثمارات الأجنبية.
فبالنسبة لحشد الموارد وتحقيق التكامل الاقتصادى، فقد سعت مصر خاصة خلال رئاستها للاتحاد الإفريقى عام 2019 لإحداث نقلة نوعية فى تعزيز التكامل الاقتصادى الإفريقى ودفع التجارة البيئية الإفريقية وتوفير البنية الأساسية لتسهيل التبادل التجارى، وانتقال السلع والخدمات والأفراد، وقد تبلور ذلك فى إطلاق منطقة التجارة الحرة الإفريقية الكبرى، والتى تتطلب المزيد من العمل والجهد الإفريقى وإزالة كافة المعوقات.
كما أن قمة منتصف العام التنسيقية هى مبادرة مصرية طرحتها خلال رئاستها للاتحاد الإفريقى تقوم على تعزيز التكامل الاقتصادى الإفريقى عبر التنسيق بين التجمعات الاقتصادية الكبرى فى القارة والتنسيق بينها وبين الاتحاد الإفريقى لتعظيم الموارد، وتسريع تنفيذ أجندة التنمية الإفريقية 2063.
أما فيما يتعلق بهدفى تخفيف الديون الإفريقية وتحقيق العدالة المناخية، فقد اقترحت مصر عدة آليات لتخفيف أعباء الديون الإفريقية، حيث إن إفريقيا من أكثر القارات تضررا وتأثرا بالأزمات الاقتصادية العالمية، وكذلك الأكثر تضررا من تداعيات التغيرات المناخية رغم أنها غير مسؤولة عن الانبعاثات الكربونية وارتفاع درجة حرارة الأرض.
وقد برزت تلك التأثيرات فى تهديد المناطق الساحلية وانتشار خطر الجفاف والتصحر وهو ما أثر سلبا على الأمن الغذائى للدول الإفريقية، ومن هنا أكدت مصر أهمية تحقيق العدالة المناخية، وأن تتحمل الدول الغنية والمتقدمة، المسؤول الأول عن الانبعاثات الحرارية، مسؤوليتها فى مساعدة الدول النامية والأكثر تضررا خاصة فى إفريقيا، وأن توفى بالتزاماتها التى تعهدت بها فى مؤتمرات المناخ السابقة وآخرها مؤتمر «كوب27» بشرم الشيخ العام الماضى.
نقلا عن المصري اليوم