ذكرت منظمة الصحة العالمية (WHO) مؤخرا أن نحو واحد من كل ستة أزواج على مستوى العالم يتأثر بالعقم.

 
ولسنوات عديدة، كان الناس يميلون إلى إلقاء اللوم على النساء في عقم الزوجين - خاصة في البلدان الإفريقية. ولكن من المعروف الآن أن عامل العقم عند الذكور يساهم في نحو 50% من إجمالي الحالات.
 
ويشهد الرجال في جميع أنحاء العالم اتجاها مقلقا يتمثل في انخفاض عدد الحيوانات المنوية وجودتها.
 
وهناك أسباب متعددة للعقم عند الذكور. ومع ذلك، من الواضح أن الملوثات البيئية تلعب دورا كبيرا في انخفاض الخصوبة في جميع أنحاء العالم.
 
ويتزايد القلق بشأن مواد مثل الفاعلات بالسطح الفلورية والمواد النانوية والمركبات التي تعطل الغدد الصماء.
 
وتم العثور على هذه المواد في كل مكان في الحياة اليومية الحديثة. ويوجد معظمها في منتجات العناية الشخصية مثل الصابون والشامبو وبخاخات الشعر، بالإضافة إلى أغلفة الطعام وزجاجات المياه والعديد من العناصر الأخرى.
 
والملوثات الأخرى التي يزداد انتشارها وتظهر علامات دخولها في السلسلة الغذائية هي المبيدات الحشرية والأدوية.
 
ووجدت دراسة حديثة آثارا عالية لهذه الملوثات في البيئة البحرية القريبة من الشاطئ لخليج فالس، وكذلك في الأنهار والهواء في المناطق الزراعية في مقاطعة ويسترن كيب بجنوب إفريقيا.
 
وتقترح الدراسة أن هذه "الملوثات ذات الاهتمام الناشئ" قد تساهم في أزمة العقم عند الذكور بطرق مدهشة.
 
ووصفت الدراسة آثار الملوثات مثل الأدوية والمبيدات الحشرية على تكاثر الذكور، والتي يمكن أن تؤثر على اللياقة الإنجابية للرجال إما من خلال التفاعل مع الدماغ، أو عن طريق استهداف الأعضاء التناسلية مثل الخصيتين مباشرة.
 
ويجب أن يكون الجمهور على دراية بتأثيرات الملوثات في البيئة على الصحة الإنجابية. ويمكن أن تساعد نتائج هذه الدراسة، التي أجراها كل من دانيال ماركو، وليانا ماري وشانين كيسير، في العثور على سبب محتمل للعقم غير المبرر. وقد تؤدي أيضا إلى علاجات وقائية.
 
التأثير على خصوبة الرجل
 
يقترح الباحثون أنه عبر الحيوانات والبشر، تتداخل معظم الملوثات الناشئة مع وظيفة الهرمون. وتستهدف محور الوطاء - الغدة النخامية - الغدد التناسلية.
 
ومحور الوطاء هو جزء من جهاز الغدد الصماء الذي يتحكم في الوظائف الإنجابية - القدرة على إنتاج الحيوانات المنوية في الرجال والبويضات عند النساء.
 
وعندما يتم تعطيل المحور، لا يتم إفراز الهرمونات التناسلية كالمعتاد. وهذا يؤثر على معدل ونوعية إنتاج الحيوانات المنوية.
 
ويمكن لهذه الملوثات الناشئة أن تعمل أيضا بشكل مباشر على الخصيتين عن طريق تعطيل حاجز الدم في الخصية.
 
ويحمي هذا الحاجز المادي الحيوانات المنوية النامية من المواد الضارة التي قد تكون موجودة في مجرى الدم. وبمجرد عبور الملوثات للحاجز، تنتقل هذه المركبات إلى حجرات الخصية حيث يتم إنتاج الحيوانات المنوية ويمكن أن تتفاعل مع الخلايا التي تشارك في إنتاج الحيوانات المنوية. وتلعب هذه الخلايا أيضا أدوارا مهمة في تنظيم إنتاج الهرمونات مثل التستوستيرون. ويمكن أن تلحق الملوثات الضرر المباشر بهذه الخلايا أو تتداخل مع وظيفتها.
 
كما يمكن أن تلحق الملوثات أضرارا مباشرة بالحمض النووي في خلايا الحيوانات المنوية، ما يؤدي إلى تغييرات جينية يمكن أن تؤثر على جودة الحيوانات المنوية وقدرتها على تخصيب البويضة. ويمكن أن يؤدي هذا إلى العقم أو الإضرار بصحة الأطفال.
 
إرث الآباء
الطريقة التي تؤثر بها العوامل البيئية على الخصوبة وتسبب آثارا على مدى أجيال متعددة قد تشمل علم التخليق في الحيوانات المنوية. وهذه الآليات بعيدة كل البعد عن الفهم الكامل. لكن هذه العلامات اللاجينية يمكن أن تؤثر على كيفية عمل الجينات داخل الحيوانات المنوية دون تغيير تسلسل الحمض النووي الأساسي.
 
ومع ذلك، يمكن أن تنتقل هذه التغييرات من أحد الوالدين إلى أطفالهم. ويمكن أن يحدث هذا بطريقتين: عندما تتعرض الخلايا الجرثومية التي تصنع الحيوانات المنوية للملوثات الناشئة، وعندما تتأثر الحيوانات المنوية نفسها.
 
وفي كلتا الحالتين، يمكن أن تنتقل التغيرات اللاجينية إلى الأجيال القادمة التي لم تتعرض مباشرة للملوثات.
 
وإحدى فئات المركبات التي تمت دراسة تأثيرها على العلامات فوق الجينية التي تمت دراستها على نطاق واسع هي الأدوية المضادة للالتهابات مثل الباراسيتامول والإيبوبروفين. وتستخدم هذه الأدوية للتحكم في الألم والالتهابات.
 
لكن الأبحاث تشير إلى أن لها أيضا آثارا ضارة على الصحة الإنجابية عند الأطفال. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي التعرض لهذه الأدوية في أثناء الحمل إلى انخفاض مستويات هرمون التستوستيرون وتغيرات في الجينات المرتبطة بالنمو العصبي لدى الأولاد.
 
واقترحت دراسات أخرى أيضا أنه عند تعرض البالغين للمبيدات الحشرية، تحمل حيواناتهم المنوية علامات في الجينات المشاركة في الوظائف العصبية بما في ذلك القابلية للإصابة باضطرابات طيف التوحد والفصام والاضطراب ثنائي القطب.
 
وقد تكون هذه الآثار مهمة بشكل خاص عندما يكون التعرض للملوثات الناشئة تراكميا. وهذا هو الحال غالبا. ويمكن أن تتراكم هذه الملوثات في البيئة وتدخل أجسامنا بطرق مختلفة، من خلال النظام الغذائي ومياه الشرب والتعرض في العمل أو في الترفيه.
 
ولكن قد تكون هناك حلول للحد من التعرض، مثل استخدام مرشحات الهواء والماء، وتقليل استخدام المنتجات البلاستيكية التي قد تحتوي على ملوثات تثير القلق.
 
ويمكن لحملات الصحة العامة زيادة الوعي حول مخاطر التعرض، أو تطوير تقنيات جديدة يمكنها اكتشاف وتحديد هذه الملوثات في البيئة بشكل أكثر دقة.