محرر الأقباط متحدون
كان النمو معا، وانطلاقا من قراءة اليوم من الإنجيل، محور عظة البابا فرنسيس اليوم الاحد مترئسا القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس لمناسبة اليوم العالمي الثالث للأجداد والمسنين.
ترأس البابا فرنسيس صباح اليوم الأحد ٢٣ تموز يوليو في بازيليك القديس بطرس قداسا إلهيا احتفالا باليوم العالمي الثالث للأجداد والمسنين. وتحدث الأب الأقدس في عظته عن استخدام يسوع للأمثال ليحدثنا عن ملكوت الله راويا قصصا بسيطة تبلغ قلوب مَن يصغون إليها. وأضاف البابا أن هذه اللغة الغنية بالصور تشبه تلك التي يستخدمها الأجداد كثيرا للتحدث إلى أحفادهم، الجالسين على أرجلهم ربما، فينقلون إليهم حكمة هامة للحياة.
وواصل الأب الأقدس متوقفا عند قراءة اليوم من إنجيل القديس متى وقال إنه يريد التأمل في ثلاثة أمثال يجمعها الأمر ذاته، النمو معا. وتحدث أولا عن مثل الزؤان حيث نما القمح والزؤان في الحقل ذاته، وقال البابا إن هذه صورة تساعدنا على إدراك أنه في حياة كل شخص هناك النور والظل، المحبة والأنانية، فالخير والشر يتداخلان حتى يبدو أنهما لا ينفصلان. وتابع قداسته أن القراءة الواقعية لهذا المثل تساعدنا على النظر إلى التاريخ بلا ايديولوجيات، بدون تفاؤل عقيم أو تشاؤم ضار، قال البابا، وأضاف أن المسيحي الذي يحفزه رجاء الله ليس متشائما لكنه ليس من جهة أخرى ساذجا يعيش في عالم من الخيال ويتظاهر بأنه لا يرى الشر. المسيحي هو واقعي، قال الأب الأقدس، ويعلم أن في العالم هناك القمح والزؤان، وإذا نظر إلى الداخل فإنه يدرك أن الشر لا يأتي من الخارج فقط وأنه ليس بسبب الآخرين وأنه لا يجوز ابتكار أعداء لمحاربتهم بدلا من استيضاح ما في داخلنا.
وتابع البابا فرنسيس أن مَثل الزؤان يطرح علينا سؤالا، ألا وهو ماذا علينا أن نفعل حين نرى أن القمح والزؤان يتعايشان في العالم. وواصل أن الإنجيل تحدث أولا عن جمع الزؤان، وأضاف قداسته أن هذا تصرف ينطلق من نوايا حسنة لكنه مندفع وعدواني، حيث يوهَم الشخص بأن بإمكانه إزالة الشر بقواه الذاتية للحفاظ على النقاء. وقال البابا إن هناك ميلا في حالات كثيرة إلى هذا التصرف ولكن ولبلوغ هذا النقاء هناك خطر أن نكون غير صبورين وربما يطبعنا العنف إزاء مَن سقط في الخطأ، وهكذا فإلى جانب قلع الزؤان نقلع القمح أيضا فيُحرم الأشخاص من السير والنمو والتغير. فلنستمع إلى ما قال يسوع، واصل البابا فرنسيس: "لا، مَخافةَ أَن تَقلَعوا القَمْحَ وأَنتُم تَجمَعونَ الزُّؤان، َدَعوهما يَنبُتانِ معاً إِلى يَومِ الحَصاد". وتحدث الأب الأقدس بالتالي عن جمال رؤية الله هذه التي تُعلِّمنا الرحمة وأن نتحلى بالصبر إزاء الآخرين، أن نقبل في العائلة والكنيسة والمجتمع الضعف والمحدودية لا كي نعتاد عليها مستسلمين أمامها أو لتبريرها، بل لنتعلم التدخل باحترام مواصلين العناية بالزرع الطيب. ودعا قداسة البابا إلى أن نتذكر دائما أن تطهير القلوب والانتصار النهائي على الشر هما عمل الله، أما نحن فإننا مدعوون، بانتصارنا على الميل نحو الفصل بين القمح والزؤان، إلى فهم ما هي الطرق واللحظات الأفضل للتدخل.
وواصل البابا فرنسيس حديثه عن هذا المَثل مشيرا إلى أن الأجداد والمسنين إذا نظروا إلى الماضي فسيرون الكثير من أشياء جميلة تمكنوا من تحقيقها، ولكنهم سيرون أيضا الهزائم والأخطاء. وواصل أن الرب يدعونا اليوم بكلمات رقيقة إلى أن نستقبل بصفاء وصبر سر الحياة وأن نترك الحكم له وألا نعيش في ندم، وكأنه يقول لنا انظروا إلى الزرع الطيب الذي يزهر في حياتكم ودعوه ينمو موكلين كل شيء إليّ أنا الذي أغفر دائما، وفي النهاية سيكون الخير أقوى من الشر. وأضاف الأب الأقدس أن الشيخوخة زمن مبارك للقيام بهذا أيضا، فهي زمن التصالح للنظر إلى النور الذي يتقدم رغم الظلال مع الرجاء القائم على الثقة في أن القمح الطيب الذي زرعه الله ستكون له الغلبة على الزؤان الذي أراد الشيطان أن يلوث به القلوب.
انتقل البابا فرنسيس بعد ذلك إلى المثل الثاني في قراءة اليوم أي مَثل حبة الخردل، فقال إن يسوع يقول إن ملكوت السموات هو عمل الله الذي يعمل في صمت في التاريخ حتى أنه يبدو فعلا صغيرا وغير مرئي كعمل حبة خردل صغيرة. إلا أن هذه الحبة إذا نمت "كانَت أَكبَرَ البُقول، بل صارَت شَجَرَةً حتَّى إِنَّ طُيورَ السَّماءِ تَأتي فتُعَشِّشُ في أَغصانِها". حياتنا أيضا هي هكذا، قال الأب الأقدس، فنحن نأتي إلى العالم بصغرنا ثم نصبح بالغين ثم مسنين، نكون في البداية بذرة صغيرة ثم نتغذى على الرجاء ونحقق مشاريع وأحلاما، أجملها هو أن نكون مثل تلك الشجرة التي لا تعيش من أجل ذاتها بل لتوفر الظل لمن يريد وفسحة لمن يريد بناء عش، وهكذا ينمو معا الشجرة العجوز والطيور الصغيرة.
وهنا أيضا تحدث البابا فرنسيس عن الأجداد فقال إنهم أشجار مزهرة يبني أسفلها الأبناء والأحفاد أعشاشهم فيتعلمون أجواء البيت ويلمسون حنان المعانقة. وأشار قداسته بالتالي إلى النمو المشترك للشجرة وللصغار الذين يحتاجون إلى الاعشاش، وأضاف أننا نحتاج إلى عهد جديد بين الشباب والمسنين في تبادل مثمر يُعلِّمنا جمال الحياة ونحقق فيه مجتمعا أخويا ونضمن في الكنيسة اللقاء والحوار بين التقاليد وجديد الروح القدس.
المثل الثالث الذي توقف عنده البابا فرنسيس انطلاقا من قراءة اليوم هو مَثل الخميرة حيث ينمو معا الخميرة والدقيق. وسلط الأب الأقدس على أهمية المزج فقال إن هذا فعل يشير إلى صوفية العيش معا، التمازج والتلاقي والتعانق، الخروج من الذات والاتحاد مع الآخرين، وتابع البابا أن هذا يهزم الفردانية والأنانية ويساعدنا على تأسيس عالم أكثر إنسانية وأخوّة. وأضاف أن كلمة الله اليوم هي دعوة إلى اليقظة كي لا نهمش المسنين في حياتنا وفي عائلاتنا، وإلى التنبه كي لا تطبع الوحدة مدننا المكتظة وكي لا تنسى السياسة، التي هي مدعوة إلى الاهتمام باحتياجات أكثر الأشخاص ضعفا، المسنين. وأكد الأب الأقدس على ضرورة ألا نصبح غير قادرين على إبطاء حركتنا من أجل مرافقة مَن يجد مشقة في اتباع الإيقاع السريع.
وفي ختام عظته مترئسا القداس الإلهي لمناسبة اليوم العالمي الثالث للأجداد والمسنين قال البابا فرنسيس إن كلمة الله تدعونا إلى عدم الفصل وعدم الانغلاق على الذات وعدم الاعتقاد أن بإمكاننا أن ننجح بمفردنا بل إلى أن ننمو معا. ودعا قداسته إلى الإصغاء والحوار والدعم المتبادل، وإلى عدم نسيان الأجداد والمسنين الذين ساعدونا على النهوض واستعادة السير وأن نشعر بكوننا محبوبين وأننا قد أُصلحنا في داخلنا. وختم أنهم قد ضحوا من أجلنا ولا يمكننا أن نبعدهم من أولوياتنا، فلننمو معا ولنسر إلى الأمام معا، وليبارك الله مسيرتنا.