محرر الأقباط متحدون
ترأس أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين قداساً إلهيا في اختتام مؤتمر نُظم في الذكرى السنوية الثمانين لصدور الوثيقة المعروفة باسم "قانون كامالدولي" والتي وجهت النشاط السياسي والاقتصادي للديمقراطيين المسيحيين في إيطاليا على مدى عقود. في عظته خلال القداس حثّ نيافته المسيحيين على مقاومة الشر والمثابرة في الإيمان، وتمنى أن يحصل إشراك تام للعلمانيين في عملية نمو الديمقراطية.

نُظم المؤتمر في دير كامالدولي، وهي بلدة تقع في إقليم توسكانا الإيطالي، وحيث تم التوقيع على الوثيقة في العام ١٩٤٣ من قبل مجموعة من المفكرين الكاثوليك، من علمانيين ورجال دين. وتناولت الوثيقة عدة قضايا مرتبطة بالتعاليم المجتمعية للكنيسة، والعلاقة بين الفرد والدولة وبين الخير المشترك والحرية الفردية.

لفت المسؤول الفاتيكاني في عظته إلى أن القداسة التي يريدها الله هي أن يكون الإنسان حاضراً حيث يوجد الموت والشر، مضيفا أن ملكوت السماوات ليس غريباً عن تاريخنا واختباراتنا وقضايانا الشخصية. وأكد نيافته أن المشكلة التي يواجهها المؤمن العائش في هذا التاريخ مزدوجة: فهو مدعو إلى مقاومة الشر والثبات في الإيمان عوضا عن البحث عن طرق مختصرة.

في سياق حديثه عن التوقيع على وثيقة "قانون كامالدولي" أشار الكاردينال بارولين إلى أن ما حصل في الخامس والعشرين من تموز يوليو من العام ١٩٤٣، عكس الوعي والإدراك حيال الشرور التي عانت منها أوروبا في خضم الحرب العالمية الثانية، هذه الحرب التي ألقت بظلالها على إيطاليا أيضا وتوغلت إلى نفوس الأشخاص. واعتبر نيافته أنه يتعين علينا اليوم، وبعد مضي ثمانين عاماً على هذه المبادرة، أن ننظر إليها على أنها "مبادرة ضرورية" وأن نستخلص منها العبر. وأضاف أن إيطاليا كانت تعيش آنذاك في ظل كارثة النظام الفاشي وفي ظل الحرب، وتم التوقيع على الوثيقة عشية نشأة ما عُرف لاحقاً بـ"الحزب الكاثوليكي" ومع أن السياق الجيوسياسي تبدل كثيراً خلال العقود الثمانية الماضية، تشهد اليوم أوروبا حرباً على أرضها يبدو أنها أعادت إحياء الاشتياق إلى الأنظمة التوتاليتارية.

لم تغب عن عظة الكاردينال بارولين الإشارة إلى الأوضاع الكنسية التي تغيرت كثيراً خلال السنوات الثمانين الفائتة، لأنه في تلك الفترة لم يكن يتوقع أحد أن يأتي التحديث الذي جاء به المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، ومع ذلك – مضى يقول – إننا نختبر اليوم تحولاً أنتروبولوجياً يبدو أنه وضع الإيمان نفسه موضع شك. ومن هذا المنطلق شدد نيافته على ضرورة القيام بتمييز يساعدنا على فهم التاريخ والحاجة إلى وضع ثقافة ملائمة لا توجد اليوم. ولفت إلى أن هذه المسؤولية ملقاة اليوم على عاتق شعب الله كله، وتمنى في هذا السياق – كما فعل الكاردينال ماتيو زوبي خلال افتتاحه أعمال المؤتمر – أن تُقام المزيد من الفسحات للتلاقي والتنشئة، وأن تُتاح فرص للتأمل المشترك، ليس فقط بشأن القضايا المدنية والمجتمعية، بل الإيمانية أيضا. وقال إن السينودس يصب في هذا الاتجاه، لاسيما من خلال إشراك المؤمنين العلمانيين في الأعمال.

في ختام عظته عبر الكاردينال بارولين عن قناعته بأن المشاركة في عملية تنمية الديمقراطية داخل المجتمع المدني والمؤسسات تحتاج إلى رجال ونساء مسيحيين، واعين لإيمانهم ويشهدون، في كل البيئات، للتطلعات والقيم والتصرفات النابعة من إيمانهم، لأنه بدونها لن ننعم بمجتمع أفضل. وأكد أن ملكوت السماوات ينمو حيث توجد الرغبة في تعزيز الكرامة البشرية، وحيث توجد محبة حرية الأفراد والشعوب، وحيث يوجد العطف والرأفة تجاه الآخرين.