أمينة خيري
رغم كل جهودى لعدم الانجراف وراء شيطنة الـ«سوشيال ميديا»، والمضى قدمًا في ترسيخ الصورة السلبية لما فعلته بنا، إلا أن ما يجرى حولى أقوى منى بكثير. في عام 2014، كتبت عن مولود عبقرى جديد في عالمنا، ألا وهو «البلوجز» أو المدونات Blogs، وكيف أن هذا الاختراع العبقرى قادر على فتح آفاق غير مسبوقة أمام كل شعوب الأرض.. ما بين حرية تعبير، وفتح آفاق النقاش، وطرح موضوعات لا حصر لها على الجميع للتفكير والتوعية والتمكين المعرفى. ومضت سنوات، وجرى ما جرى، ليس فقط في مصر بل في العالم كله.
ظلت شبكة الإنترنت ومنصات الـ«سوشيال ميديا» أداة رائعة من أدوات التمكين، ولكنها في الوقت نفسه تحولت، أو حوّلها البعض من مستخدميها (برعاية صانعيها) إلى أدوات تفتيت وتخريب للمجتمعات والمعارف والوقت.
لست من هواة نظريات المؤامرة كثيرًا، لذلك سأقول إن البعض على الأقل من المستخدمين لـ«السوشيال ميديا» لا ينشطون على هذه المنصات بناء على أجندات مسبقة أو تكليفات موضوعة لهم من قبل جهات أو أشخاص أو جماعات. بالطبع مثل هذا الاستخدام موجود، ولكن ليس كل من قرر أن «يشتغل مؤثرا أو مؤثرة» أو ينصب نفسه خبيرًا استراتيجيًا أو حكيمًا اجتماعيًا أو محللًا كرويًا أو مصلِحًا أخلاقيًا أو مفتيًا دينيًا غرضه تفتيت الشعوب وخراب البيوت. على سبيل افتراض حسن النوايا، سأقول إن نشاط البعض على الـ«سوشيال ميديا» ينجم عنه ما سبق من كوارث بالفعل، ولكن كآثار عكسية ناجمة عن سوء استخدام أو نقص معرفة أو ضحالة معلومات أو بسبب الفراغ الذي يجعل بعضنا لديه أربع أو سبع أو عشر ساعات يوميًا يمضيها هائمًا على وجهه ملتصقًا بخيوط العنكبوت.. ظنى أن هؤلاء لو كان لديهم ما يفعلون في هذا الوقت، سواء عمل أو رياضة أو حتى ترفيه يثرى العقل والجسد، لتقلصت هذه الساعات إلى بعض دقائق.. لكن هذا الإغراق لديه قوة قتل ثلاثية: يعطى صاحبه إحساسًا كاذبًا بالأهمية والمكانة، ويؤثر سلبًا على جمهور المتابعين ممن تربوا وتعلموا في كنف منظومة «آمين» التي تقف على طرف نقيض من التفكير النقدى العقلانى المنطقى، كما يأتى بآثار أشبه بعملية النحت الجانبى لمجرى النهر، فيذوب العقل ويتحلل المنطق ويصبح المجتمع مسلوب الإرادة، يدين بالولاء للمؤثرين، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو السفر أو الطبخ.
بالطبع، هذه ليست مناشدة بالحجب أو المنع، فقد ولّى عصرهما ودبر. وهى أيضًا لا تعنى أن أرض الواقع أفضل كثيرًا أو قليلًا، ولكنها تظل أرضًا واقعية لها أول ولها آخر. هي فضفضة. وربما تجعل البعض يعيد التفكير في نمط استخدام الـ«سوشيال ميديا». فالتفكير لا يضر، وحسب ظنى إنه ليس عيبًا أو حرامًا. أخشى من القادم الرقمى أكثر، من ذكاء اصطناعى مذهل وما قد يفعله بنا إن كان بعضها بهذه الهشاشة.
نقلا عن المصرى اليوم